البلاغة من سجع وترصيع وسواهما ، ولا يختلف الأمر كثيراً في النثر ، فقد يعمد الخطيب أو الكاتب أو سواهما إلى مراعاة أصناف البديع المختلفة من دون الإخلال بالمعنى المُراد ، فيستطيع انتقاء اللفظ المناسب مراعياً التجنيس والسجع وسواهما.
الثاني : القدرة على تأدية المُراد إذا ما نَسِيَ المتكلّم أحد اللفظَيْن ، فيمكنه حينئذ الاستعانة باللفظ الآخر للإفصاح عن مقصده ، من دون أنْ يكون نسيانه أو غفلته سبباً في تعسير الإبانة أو حجب الإفصاح عن القصد.
يقول ابن جنّي (ت ٣٩٢ هـ) في ذلك : «فإذا ورد شيءٌ من ذلك ـ كأنْ يجتمع في لغة رجل واحد لغتان فصيحتان ـ فينبغي أنْ تتأمّل حال كلامه؛ فإنْ كانت اللفظتان في كلامه متساويتَيْن في الاستعمال ، كثرتهما واحدة ، فإنْ أخلق الأمر به أنْ تكون قبيلته تواضعت في ذلك المعنى على (ذينك اللفظَيْن)؛ لأنّ العرب قد تفعل ذلك للحاجة إليْه في أوزان أشعارها ، وسعة تصرّف أقوالها»(١).
وأمّا السبب الثاني ، فهو تعدّد الواضع ، وهو السبب الأكثر لوجود الترادف في اللغة.
فربّما اصطلحت إحدى القبائل العربية اسماً معيّناً لمعنىً ما ، وتصطلح قبيلة أخرى اسماً آخر للمعنى نفسه ، ثمّ يذيع الاصطلاحان.
__________________
(١) الخصائص ١/٣٧٢ (باب في الفصيح يجتمع في كلامه لغتان فصاعداً).