الاستصحاب
وأما الثاني فبأن حجية اليقين السابق على الحكم في اللاحق، حيث أنها مستكشفة من ثبوت الابقاء العملي تشريعاً - حيث أن الشارع أمر بابقاء اليقين، الذي عرفت أن مرجعه إلى إبقاء الكاشف أو المنجز فالتعبير عن حجية المنكشف بحجية الكاشف صحیح، معمول به عندهم .
وكذا بناء العقلاء - عملاً على الابقاء، فانه كاشف عن بنائهم على حجية اليقين السابق، أو الظن اللاحق، أو الكون السابق .
ثم إن المراد من إبقاء ما كان: إن كان الابقاء المنسوب إلى الشارع، فلا دلالة في العبارة على جعل الحكم الظاهري الاستصحابي، فانه لو أبقى الشارع حكمه الموجود سابقاً في الزمان اللاحق - بعلته المقتضية لحكم مستمر، أو بعلة أخرى مقتضية لاستمراره - الصدق عليه إبقاء ما كان، مع أنه حكم واقعي لا ظاهري، وإبقاؤه لعلة كونه في السابق ، وإن اقتضى كون الحكم في الزمان الثاني ظاهرياً، لأن الحكم الواقعي لا يكون وجوده في زمان واسطة في الثبوت لوجوده في زمان آخر، ولا واسطة في الاثبات، إلا أن تعلق الابناء بما كان لا يدل على علية كونه ، بل ولا إشعار فيه " أيضاً؛ لأن الابقاء لابد وأن يتعلق بما
كان، وليس أخذه كأخذ الوصف لغواً، لو لم يكن لأجل إفادة فائدة من علية، أو غيرها .
وإن كان المراد الابقاء العملي من المكلف، فهو يدل على جعل الحكم الظاهري ؛ اذ لو كان الحكم الواقعي مستمراً حقيقة لم يكن العمل به إبقاء عملياً المحكم السابق، بل عمل بالحكم الموجود حقيقة في الزمان اللاحق، إلا أنه لا يدل على اعتبار اليقين في موضوع الاستصحاب، كما لا يدل على كون الحكم الاستصحابي الظاهري من الأصول العملية : العدم أخذ الشك فيه.
أما الأول : فلان اليقين بثبوت الحكم سابقاً، وان كان منجزا لحكمه، لكنه غير محقق لموضوعه، فدلالته على اعتبار اليقين - في تنجز الحكم الاستصحابي - غير دلالته على اعتباره في تحقق موضوعه. فمن الممكن أن ما ثبت يجب ابقائه واقعاً، غاية الأمر أنه ينجز هذا إلا بعد الالتفات إلى موضوعه وحكمه.
وأما الثاني: فلان لازم الابقاء العملي وإن كان عدم اليقين بالحكم في الزمان
(١) «الكون» هنا تامة
(۲) كما عليه الشيخ «قده» في «الرسائل» ص ۳۱۸ ، فانه قائل بالاشعار وتبعه المحقق العراقي «ره» في نهاية الافكار» ص ٣.