هذه بشارة وأنا أسير إلى حرب الحسين ، وما كان يحدّث نفسه في الجنّة ، فلمّا صار مع الحسين قصّ عليه الخبر ، فقال له الحسين : « لقد أصبت أجرا وخيرا » (١)
وروى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا : كنا نساير الحسين فنزل شراف ، وأمر فتيانه باستقاء الماء والإكثار منه ، ثمّ ساروا صباحا ، فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار ، فكبّر رجل منهم ؛ فقال الحسين : « الله أكبر لم كبّرت »؟ قال : رأيت النخل. قالا : فقلنا : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. قال : « فما تريانه رأى »؟ قلنا : رأى هوادي الخيل. فقال : « وأنا والله أرى ذلك » ؛ ثمّ قال الحسين : « أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد »؟ قلنا : بلى ، هذا ذو حسم عن يسارك تميل إليه ، فإن سبقت القوم فهو كما تريد. فأخذ ذات اليسار ؛ فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل ؛ فتبيّناها فعدلنا عنهم ، فعدلوا معنا كأنّ أسنّتهم اليعاسيب ، وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فسبقناهم إلى ذي حسم ، فضربت أبنية الحسين عليهالسلام ، وجاء القوم فإذا الحرّ في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حرّ الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلّدون أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه : « اسقوا القوم ورشّفوا الخيل » فلمّا سقوهم ورشّفوا خيولهم ، حضرت الصلاة ، فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفي ، وكان معه ، أن يؤذّن ، فأذّن ، وحضرت الإقامة فخرج الحسين في إزار ورداء ونعلين ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : « أيّها الناس إنّها معذرة إلى الله وإليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم » إلى آخر ما قال ، فسكتوا عنه ، فقال للمؤذّن : « أقم » فأقام ، فقال الحسين للحرّ : « أتريد أن تصلّي بأصحابك »؟ قال : لا بل بصلاتك ، فصلّى بهم الحسين ، ثمّ دخل مضربه واجتمع إليه أصحابه ودخل الحرّ خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه ، ثمّ عادوا
__________________
(١) مثير الأحزان : ٥٩ ـ ٦٠ بتفاوت.