وأمروهما بالنّجا (١) ، فجدّا حتّى دخلا مكّة لعشر مضين من شهر رمضان ، ثمّ كتبوا إليه بعد يومين ، وسرّحوا الكتب مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي ، ثمّ كتبوا إليه بعد يومين آخرين وسرحوا الكتب مع هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي حتّى بلغت الكتب اثني عشر ألفا ، وهي تنطوي على الاستبشار بهلاك معاوية والاستخفاف بيزيد ، وطلب قدومه والعهد له ببذل النفس والنفيس دونه. وكان من المكاتبين حبيب بن مظهّر ، ومسلم بن عوسجة ، وسليمان بن صرد ، ورفاعة بن شدّاد ، والمسيّب بن نجبة ، وشبث بن ربعي ، وحجار ابن أبجر ، ويزيد بن الحرث بن رويم ، وعزرة بن قيس ، وعمرو بن الحجاج ، ومحمد ابن عمير وأمثالهم من الوجوه (٢).
وبلغ أهل البصرة ما عليه أهل الكوفة فاجتمعت الشيعة في دار مارية (٣) بنت منقذ العبدي ـ وكانت من الشيعة ـ فتذاكروا أمر الإمامة وما آل إليه الأمر فأجمع رأي بعض على الخروج فخرج وكتب بعض بطلب القدوم ، فلمّا رأى الحسين عليهالسلام ذلك دعا مسلم بن عقيل وأمره بالرحيل إلى الكوفة وأوصاه بما يجب ، وكتب معه إلى أهل الكوفة أمّا بعد : « فإنّ هانيا وسعيدا قدما عليّ بكتبكم وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم وقد فهمت ما اقتصصتم من مقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحق والهدى. وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا
__________________
(١) النجا : السرعة. راجع القاموس المحيط : ٤ / ٣٩٣.
(٢) راجع الإرشاد : ٢ / ٣٦ ـ ٣٧.
(٣) قال المامقاني : مارية بنت منقذ أو سعيد العبديّة ، يستفاد كونها إماميّة تقيّة مما روي عن أبي جعفر عليهالسلام من أنّها كانت تتشيّع ، وكانت دارها مألفا للشيعة يتحدّثون فيها ... راجع تنقيح المقال : ٣ / ٨٣.