ثمّ صلّى الحسين عليهالسلام الظهر أوّل وقتها صلاة الخوف ووقعت مقاتلات قبلها وفي أثنائها ممّن وقف لمحاماته واقتتلوا بعد الظهر ، فلم يبق مع الحسين أحد من أصحابه ، فتقدّم أهل بيته حتّى لم يبق منهم أحد ، فتقدّم إلى الحرب بنفسه فوقف بينهم وضرب بيده على كريمته الشريفة وكانت مخضوبة كأنّها سواد السبج ، قد نصل منها الخضاب ، وقال : « اشتدّ غضب الله على اليهود إذ قالوا عزيز ابن الله ، واشتدّ غضبه على النصارى إذ قالوا المسيح ابن الله ، واشتدّ غضبه على قوم أرادوا ليقتلوا ابن بنت نبيّهم » (١).
ثمّ نادى : « هل من ذاب يذبّ عن حرم رسول الله ، هل من موحّد يخاف الله فينا ، هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا ، هل من معين يرجو ما عند الله بإعانتنا »؟! فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فمضى إلى مخيّمه ليسكت النساء وأخذ طفلا له من يد أخته زينب فرماه حرملة أو عقبة بسهم فوقع في نحره كما سيأتي ذكره في ترجمته ، فتلقى الدم بكفّيه ورمى به نحو السماء ، وقال : « هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله ».
ثمّ جرّد سيفه فيهم فجعل ينقف الهام ويوطئ الأجسام ، ورماه رجل من بني دارم بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزعه وبسط يديه (٢) تحت حنكه فلمّا امتلأتا دما رمى به نحو السماء وقال : « اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك » (٣). ثمّ عاد إلى مخيّمه فطلب ثوبا يلبسه تحت ثيابه فأتي بتبان ، فقال : « لا ، هذا لباس من ضربت عليه الذلّة » ، فجيء له ببرد يماني يلمع فيه البصر ففزره ولبسه تحت ثيابه ، ثمّ شدّ عليهم شدّة ليث مغضب وجراحاته تشخب دما فتطايروا من بين يديه ، وحال
__________________
(١) اللهوف : ١٥٨.
(٢) في الإرشاد : يده.
(٣) الإرشاد : ٢ / ١٠٩.