كالصقر فرآه مقطوع اليمين واليسار مرضوخ (١) الجبين مشكوك العين بسهم مرتثا بالجراحة ، فوقف عليه منحنيا ، وجلس عند رأسه يبكي حتّى فاضت نفسه ، ثمّ حمل على القوم فجعل يضرب فيهم يمينا وشمالا فيفرّون من بين يديه كما تفرّ المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، وهو يقول : أين تفرّون وقد قتلتم أخي؟! أين تفرّون وقد فتتم عضدي؟! ثمّ عاد إلى موقفه منفردا. وكان العبّاس آخر من قتل من المحاربين لأعداء الحسين عليهالسلام ، ولم يقتل بعده إلاّ الغلمان الصغار من آل أبي طالب الذين لم يحملوا السلاح.
وفيه يقول الكميت بن زيد الأسدي :
وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو |
|
شفاء النفوس في الأسقام |
قتل الأدعياء إذ قتلوه |
|
أكرم الشاربين صوب الغمام |
ويقول حفيده الفضل بن محمّد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس :
إنّي لأذكر للعباس موقفه |
|
بكربلاء وهام القوم تختطف |
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ |
|
ولا يولّي ولا يثني فيختلف |
ولا أرى مشهدا يوما كمشهده |
|
مع الحسين عليه الفضل والشرف |
أكرم به مشهدا بانت فضيلته |
|
وما أضاع له أفعاله خلف |
وأقول :
أمسند ذاك اللوا صدره |
|
وقد قطعت منه يمنى ويسرى |
لثنّيت جعفر في فعله |
|
غداة استضمّ اللوا منه صدرا |
وأبقيت ذكرك في العالمين |
|
يتلونه في المحاريب ذكرا |
وأوقفت فوقك شمس الهدى |
|
يدير بعينيه يمنى ويسرى |
__________________
(١) قال ابن منظور : والرّضخ : كسر الرأس. راجع لسان العرب : ٥ / ٢٢٩.