وراحت المخالب البشرية تفتت حبّات الرمان في الكأس البلوري .. وذرّات بيضاء تتساقط كسمّ الأفاعي حتّى اذا امتلأ الكأس أخذه المأمون بشماله ، وأمسك بملعقة الموت فملأها حبّات رمّان مداف بالسم ..
كان الامام يتمتم بآيات القرآن ، ثم تناول ملعقة ثم أخرى وملعقى ثالثة وقدّم المأمون ملعقة رابعة ... فقال الامام وهو ينظر الى رجل يحمل سيماء قابيل :
ـ حسبك .. قد بلغت مرادك ..
قال ذلك وأدار وجهه نحو شرفة تطلّ على أشجار الرمّان وقد غمرتها أنوار شمس خريفية باهتة ١٨٥ ..
ونهض المأمون وقد انبعثت في نشوة تشبه فرحة حفار القبور لدى قدوم جنائز الاطفال!
وكان الامام يواجه مصيره بشجاعة .. وقد بدت الاشياء بلا ظلال في عالم غائم والزمن نهراً صغيراً يدندن بصوت رقيق مخترقاً شجيرات الرمّان .. واجتاحت موجة من القلق الذين تخفق قلوبهم بحب الرجل المدني الذي تخطّى الخمسين ١٨٦ بعام ..
وتحلّقت النفوس المحزونة حول انسان يواجه نهايته ..