ـ هاتوا المائدة! ..
والتفت الى صاحبه الوفي :
ـ لا تدع أحداً ..
وراح ينادي ـ وقد وهن الصوت منه ـ البواب والسائس وعلى رجال من أفريقا والروم .. وجاءوا كلهم فجلسوا حول مائدة في مشهد يشبه لوحة العشاء الأخير للمسيح.
وراح الامام يتفقدهم واحداً واحداً بنظرات تفيض حبّاً ورحمة .. ولمّا شبعوا وارتفعت المائدة ... هوى الامام فوق وسادته وقد أغمي عليه ..
المغيب يرش الروابي الآخر جمرات الخريف .. وعاد الانسان المقهور الى وعيه .. وكانت نظراته الواهنة في ذلك الغروب هي آخر نظرة الى هذا العالم المثقل بآلام الانسانية ..
وانسابت كلمات بصوت واهن فكانت آخر ما سمعه الذين تحلّقوا حوله وهم يذرفون الدمع بفجيعة .. تمتم الإمام وقد أزفت لحظة الرحيل :
ـ ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) ١٨٨.
وأغمض عينيه وقد انطفأت شمس ذلك اليوم ١٨٩ ، وتكاثفت ظلمة الغروب كرماد يتراكم في أفق كئيب ..