ومن هذا ظهر بطلان القول بأنّ النفس الفاقدة للفضائل ، المقارنة بالرذائل ، المتمكّنة بعد المفارقة عن البدن تكون بلا بدن ، وتدرك رذائلها المتمكّنة ؛ لفراغها عن الشواغل المانعة عن كسب ما كانت مستعدّة له ، تتألّم بألم النار الروحانيّة ، وتلك نار الله الموقدة تطّلع على الأفئدة.
وأمّا النفس الكاملة بتصوّرات حقائق الأشياء وبالاعتقادات البرهانيّة الجازمة المطابقة الثابتة فتتّصل بعد المفارقة بالعالم القدسي في حضرة جلال ربّ العالمين في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وقد ذهب إليه بعض الحكماء ، ونسب إلى المشهور.
وظهر أيضا بطلان قول أهل التناسخ من أنّ النفس تبقى مجرّدة عن الأبدان خرجت كمالاتها من القوّة إلى الفعل حتّى تتّصل إلى عالم القدس.
وأمّا النفوس الناقصة التي بقي شيء من كمالاتها بالقوّة فإنّها تتردّد في الأبدان الإنسانيّة وتنتقل من بدن إلى بدن آخر حتّى تبلغ النهاية فيما هو كمالها من علومها وأخلاقها. ويسمّى هذا الانتقال نسخا.
وهكذا ما قيل من أنّها ربما نزلت من البدن الإنساني إلى بدن حيوان يناسبه في الأوصاف كبدن الأسد للشجاع والأرنب للجبان. ويسمّى فسخا.
وما قيل : ربما نزلت إلى الأجسام النباتيّة. ويسمّى رسخا.
وما قيل : ربما نزلت إلى الجماديّة كالمعادن والبسائط. ويسمّى فسخا. وكذا يقول بتعلّقها ببعض الأجرام السماويّة للاستكمال.
وقد روي عن الحسن بن الجهم قال : قال المأمون للرضا عليهالسلام : يا أبا الحسن ، ما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال الرضا عليهالسلام : « من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم ، مكذب بالجنّة والنار » (١). ومثلها رواية أخرى عنه عليهالسلام (٢).
__________________
(١) « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ، الباب ٤٦ ، ح ١.
(٢) المصدر السابق ، ح ٢.