أمّا أوّلا : فلأنّ ذلك مخالف للحكمة المقتضية ؛ لكون الإنسان مركّبا من أجزاء العالي والسافل ، وأنموذج العالم الأكبر قابلا لجميع العلوم ، كما يشهد بذلك قوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) (١).
وقوله عليهالسلام :
وتزعم أنّك جرم صغير |
|
وفيك انطوى العالم الأكبر (٢) |
لدلالة الآية على أنّ الملائكة مع نورانيّتهم لم يكونوا قابلين للتعليم وإلاّ يستلزم الترجيح بلا مرجّح وعدم توجّه الجواب العياذ بالله ، فاحتيج إلى مادّة قابلة بالتركيب من أجزاء الجميع ، كما أنّ العنّين لا يمكن أن يتعلّم لذّة الجماع ، والأكمه لا يميّز بين الألوان ولو تليت عليه القرآن. والحديث أصرح من الآية ، إلى غير ذلك من الأدلّة العقليّة والنقليّة. وعلى ذلك يلزم كون الجميع معادا في المعاد.
وأمّا ثانيا : فلأنّ ذلك خلاف اعتقاد أهل الإسلام المأخوذ من الشارع ونوّابه عليهمالسلام ، وهو أنّ أجزاء الجسم من عناصر هذا العالم سيّما الأرض ولو بواسطة ، كما في بني آدم فإنّهم خلقوا من ماء حاصل من الأجزاء الأرضيّة ، كيف؟ وقد قال الله تعالى : ( مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى ) (٣).
وقال تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٤).
__________________
(١) البقرة (٢) : ٣١ ـ ٣٣.
(٢) « الديوان المنسوب للإمام عليّ عليهالسلام » : ٢٣٦.
(٣) طه (٢٠) : ٥٥.
(٤) آل عمران (٣) : ٥٩.