الأجنبيّة الغريبة مثل الذهب ، فإنّك إذا أخذت مثقالا من الذهب ومزجته بمثقالين من النحاس والحديد ودفنت ذلك الممزوج في الأرض تأكل الأرض جميع ما فيه من الحديد والنحاس وتبقى أجزاء الذهب متخلّلة متفرّقة ».
إلى أن قال : « فلو دخلت أجسام الأناس الجنّة على هذه الحالة لفنيت ؛ لأنّ فيها أسباب الفناء. هذا على ظاهر الدليل. وأمّا على حقيقة الأمر ـ فكما أشرنا إليه من أنّ كلّ شيء يرجع إلى مبدئه وأصله ـ الإنسان لطيف ، وإنّما لحقته هذه الكثافات الغريبة في هذه الدنيا ؛ لأنّ هذه الدنيا دار تكليف لم تخلق للبقاء ، فلمّا خلق الخلق رحمة بهم أنزلهم في دار التكليف والمشقّة ؛ ليتزوّدوا منها لدار مفارقتهم ، وألزمهم مقتضى هذه الدار من لزوم الأعراض والغرائب والكثافة التي هي أسباب الانتقال ودواعي الزوال ؛ لئلاّ يبقوا في دار المشقّة دائما فلا يصلوا إلى دار الجزاء والحال أنّه سبحانه خلقهم وبرأهم رحمة بهم ليوصلهم إلى النعيم الدائم الذي لا ينفد ، والبقاء الدائم المخلّد.
فإذا قلت : إنّهم يعودون في هذا البدن العنصري وتريد به ـ مع ما هو عليه من الكثافة والغرائب التي يفنى بها ـ الجسد العنصري المحبوس البشري ، لزمك أنّهم لا يبقون في الجنّة ولا في النار ؛ لأنّ العلّة الموجبة للانتقال من هذه الدار هي تلوّث على ذلك الجسد اللطيف ـ أعني الثاني ـ والجسم النوراني ، وهما حقيقة الجسم الذي هو الإنسان ، وما سوى هذين فهي أعراض وكثافات » (١).
أقول : الظاهر أنّ ما ذكره من الأعراض والكثافات فينبغي أن يصفّي عنه الاعتقادات.
__________________
(١) هذا النقل عن الشيخ أحمد الأحسائي ، المعاصر للمصنّف ، إلاّ أنّ جلّ كتبه غير متوفّرة لدينا.