ثمّ قال : « الإنسان له جسدان وجسمان : فالجسد الأوّل من العناصر المحسوسة ، ونريد به هذه الصورة والتركيب في الدنيا ؛ لأنّه إذا مات وكان ترابا ذهبت هذه الصورة ».
قال : « وهذه الصورة الأولى هي الجسد الأوّل الذي لا يعود ، وهو مخلوق من العناصر المحسوسة وهو الكثافة.
والجسد الثاني ، وهو الذي يعود ، وهو مخلوق من عناصر هورقليا أعني العالم الذي قبل هذا العالم ، وفيه جنان الدنيا والجنّتان المدهامّتان ، وإليه تأوي أرواح المؤمنين. وهورقليا معناه ملك آخر ، وهذا اسم لتلك الأفلاك ، وفي أرضها بلدان جابرسا وجابلقا.
والجسم الأوّل هو الذي يلبسه الروح في البرزخ ما بين الموت إلى نفخة الصور الأولى ، فإذا نفخ في الصور بطل كلّ روح وكلّ متحرّك أربعمائة سنة ، ظهر ذلك الجسم عن أوساخ البرزخ وكثافاته بالنسبة إلى عالم الآخرة ، وهذه الكثافات هو مرادنا بالجسم الأوّل الذي لا يعود. ويبقى الجسم الثاني الصافي تحلّه الروح وتمضي معه إلى الجسد الثاني بين أطباق الثرى الباقي ، فتدخل بحسبها فيه فيخرج في النشورين : القبور والحساب ، بجسمه وجسده الصافيين ، وهما هذا الجسم والجسد الموجود في الدنيا بعينه وإنّما يظهر ».
ثمّ قال : « إنّ المعاد في هذا الجسد العنصري يدخل الجنّة بهذه الكثافة ، أو يصفّى عن الأعراض الغريبة التي ليست منه؟
فإن قلت : يدخل الجنّة بهذه الكثافة على هذه الحالة ، فقد خالفت العقل والنقل الدالّين على أنّ صفاء أبدان أهل الجنّة ومطاعمهم بحيث يأكلون ولا يتغوّطون ولا يبولون ».
إلى أن قال : « ولو لم يصف لبقيت فيه الأعراض والغرائب فلا يبقى في الجنّة بل يموت ويزول ؛ لأنّ علّة الموت والزوال إنّما هي ممازجة تلك الأعراض والكثافات