وأمّا باطن الروح الحيواني فإنّه من طبائع نفوس هورقليا ، وهي تلحق بالجنّة ، جنّة الدنيا كما مرّ.
والحاصل : أنّ الروح لا تنفكّ عن الجسم الأصلي إلاّ بين النفختين : نفخة الصعق ونفخة البعث. فجواب قوله ـ أدام الله تأييده ونصره : الروح وحدها أم مع المثال أم مع الجسم؟ ـ : هو أنّ الذي يمضي إلى جنّة الدنيا الروح مع الجسم الأصلي ؛ لأنّ الروح فيها العقل ، وهي في الطبيعة ، والجسم هو الهيولى والمثال ؛ ولهذا كان إحساسه ولذّته أقوى من الدنيا بسبعين مرّة ؛ لأنّ لذّته حسيّة معنويّة ، وعلى هذا يحسن به ترغيب المكلّفين.
وأمّا الذي يبقى في القبر ، وهو الجسد الثاني الذي هو من عناصر هورقليا ، فأمّا الذي من هذه العناصر فإنّه يفنى. ولذلك أمثلة كثيرة نذكر بعضها. منها : مثاله الزجاج فإنّه من الصخرة والقلى وهما كثيفان بمنزلة الجسد العنصري المعروف عند العوامّ ، فلمّا أذيب ذهبت منه الكدورة ، فكان هو بنفسه زجاجا شفّافا يرى ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره ، وهو نظير الجسد الثاني الذي يبقى في القبر ويدخل عليه من الجنّة روح وريحان ، والكثافة نظير الجسد العنصري » (١) إلى آخر ما قال.
أقول : لا يخفى أنّ هذه الكلمات أشدّ مخالفة للشريعة ممّا ذكر ؛ لصراحتها في أنّ النار والهواء والماء والتراب لا تعود ، وأنّ البدن الأصلي لا يفنى ولا يصير رميما ، وهذا الذي لا يفنى يعاد في المعاد ، والرميم لا يعاد في المعاد ، بمعنى أنّ الجسد المعاد غير رميم والجسد الرميم غير معاد. وهذا خلاف صريح الآية التي تدلّ على أنّ الإحياء في المعاد يتعلّق بما يتعلّق به الإنشاء أوّل مرّة (٢) ، لئلاّ يلزم تفكيك الضمير
__________________
(١) لم نعثر على هذا النقل في « الرسالة السلطانيّة » ، ولعلّه موجود في آثار الشيخ الأحسائيّ الأخرى.
(٢) يس (٣٦) : ٧٩.