وبطل فعلها ، فهي ليست بفانية إلاّ بهذا المعنى ، ولا ممازجة ؛ لأنّ الممازجة إنّما هي في النفوس النباتيّة والحيوانيّة.
أمّا النباتيّة ؛ فلأنّها من نار وهواء وماء وتراب ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عودا إلى التراب ، وكلّ واحد يمازج ما منه أخذ. وكذلك النفس الحيوانيّة فإنّها أخذت من حركات الأفلاك ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ؛ لأنها قوى ألّفت من قوى الأفلاك ، بتقدير حركاتها تعلّقت بالطبائع التي في الدم الأصفر في العلقة التي في تجاويف القلب ، والدم الذي في البدن يقوم بالعلقة ، والبدن يقوم بالدم ، ومعنى تعلّقها بالطبائع أنّ البسائط لما تألّفت على هذا الترتيب حرارة ويبوسة وبرودة ورطوبة ، وكانت معتدلة في الوزن الطبيعي بأن تكون الأربعة خمسة أجزاء ؛ لأنّ البرودة جزءان حصل منها بخار معتدلة من نضجه فناسبها ، فاكتسب من قوّتها قوة الحياة بواسطة حركاتها وأشعّة كواكبها ، فذلك البخار المعتدل فكرت (١) عليه الأفلاك فاعتدل من نضجه ، بمنزلة الأجزاء الدخانيّة من الأجزاء الدهنيّة في السراج إذا قاربت في الاحتراق الدخان.
والروح الحيوانيّة بمنزلة استنارة تلك الأجزاء الدخانيّة عن النار ، فكما أنّ الاستنارة من الكثافة المنفعلة بالضوء عن النار كذلك ذلك البخار المعتدل نضجه الفعل بالحركة والحياة الحيوانيّة عن نفوس الأفلاك من طبائعها السارية بواسطة حركاتها وأشعّة كواكبها ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ؛ لأنّها في الحقيقة تألّفت من طبائعها التي هي من صفات نفوسها ، فمع المفارقة يرجع كلّ إلى أصله ممتزجا معه كالقطرة في الماء ، فافهم فما بين النفسين بعد الموت يلحقان بأصلهما. هذا حكم ظاهرهما.
وأمّا حكم باطن الروح النباتيّة فإنّه يبقى في القبر ، وهو عناصر هورقليا ويأتيها الروح والريحان من الجنّة.
__________________
(١) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « أثّرت ».