الملوك رتبته ـ بقوله : فما الذي يلحق بالجنّة؟ حيث قال :
« اعلم أنّ الذي يلحق بالجنّة جنّة المأوى هو الذي يقبضه الملك وهو الإنسان الحقيقي. وأصل وجوده مركّب من خمسة أشياء : عقل ونفس وطبيعة ومادّة ومثال. فالعقل في النفس ، والنفس بما فيها في الطبيعة ، والكلّ في المادّة ، والمادّة بما فيها إذا تعلّق بها المثال تحقّق الجسم الأصلي ، وهو الغالب في العنصري المركّب من العناصر الأربعة : النار والهواء والماء والتراب. وهذا العنصري هو الذي يبقى في الأرض ويفنى ظاهره ، وهو ينمو من لطائف الأغذية.
وإنّما قلت : يفنى ظاهره في الأرض ؛ لأنّ باطنه يبقى وهو الجسد الثاني ، وهو من عناصر هورقليا الأربعة ، وهي أشرف من عناصر الدنيا سبعين مرّة ، وهذا هو الذي يتنعّم ؛ لأنّ المؤمن بعد الحساب في قبره يخدّ له خدّا من قبره إلى الجنّة التي في المغرب ، يدخل عليه منها الروح والريحان وهو قوله تعالى : ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (١).
والذي يتنعّم بهذا الروح هو الجسد الثاني الذي هو من عنصر هورقليا ، وهو في باطن الجسد الأوّل الظاهري الذي هو من العناصر المعروفة.
وأمّا الذي يخرج مع الروح ، وهو الجسم الحقيقي المركّب من الهيولى والمثال ، وهو الحامل للطبيعة المجرّدة والنفس والعقل ، وهو الإنسان الحقيقي. وهذا الجسم من جنس جسم الكل ورتبته في رتبته ، محدّب محدّد الجهات ، وقوّة لذّاته في الأكل والشرب والنكاح واللبس بقدر قوّة لذّة الجسد العنصري سبعين مرّة ، وهذا الجسم الحقيقي ولا يفارقها إلاّ بين النفختين ، فإنّه إذا نفخ إسرافيل في الصور نفخة الصعق ـ وهي نفخة الجذب ـ انجذبت كلّ روح إلى ثقلها من الصور ، وله ستّ مخازن ، فأوّل أحوالها تلقى في المخزن الأوّل مثالها ، وفي الثاني هيولاها ، وفي الثالث طبيعتها ، وفي الرابع النفس ، وفي الخامس الروح ، وفي السادس العقل. فإذا تفكّكت بطلت
__________________
(١) الواقعة (٥٦) : ٨٨ ـ ٨٩.