وثالثا : أنّ ما اشتملت عليه الكلمات المحكيّة ممّا لم يقل به أحد فضلا عن كونه متّفقا عليه ؛ فإنّ مدلولها عدم عود الأجزاء الحاصلة من العناصر الأربعة الكائنة في هذا العالم التي ترى بهذه الأبصار.
ومقصود القوم في مسألة شبهة الآكل والمأكول عدم وجوب عود الفواضل والأجزاء الفضليّة مثل اللحوم الحاصلة من الأغذية ، وأمّا العناصر الأربعة التي تكون في الأجزاء الأصليّة فلا خلاف في عودها وعدم طرحها بالتصفية ، وأخذ اللطيف الكائن من عالم آخر وطرح رديء حاصل من هذا العالم المحسوس كما لا يخفى على من لاحظ كتب القوم كالتجريد ونحوه ، فقد قال في التجريد : « ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ». وقال بعض شرّاحه : قوله : ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ، إشارة إلى جواب شبهة.
تقدير الشبهة : أنّ المعاد الجسماني غير ممكن ؛ لأنّه لو أكل إنسان إنسانا حتّى صار جزء بدن المأكول جزء بدن الآكل فليس بأن يعاد جزء بدن أحدهما أولى من أن يعاد جزء بدن الآخر ، وجعله جزء لبدنيهما معا محال ، فينبغي أن لا يعاد واحد منهما.
تقدير الجواب : أنّ الجزء الأصلي لأحدهما فضل الآخر فردّه إليه أولى » (١). انتهى.
وهكذا غير ذلك مثل حقّ اليقين (٢). ولا يخفى أنّ ذلك دالّ على أنّ الفواضل من الأجزاء لا يجب عودها إلى صاحب الفواضل الثانوي ، بل تعود إلى من كانت تلك الفواضل أجزاء أصليّة ؛ لا أنّها لا تعود أصلا كما يقول الشيخ المعاصر ، كما يقول بعدم عود مثلها من الأصليّة ، بل الظاهر أنّ القول بعدم عود العناصر المعروفة في هذا العالم وانحصار العود في الجوهر اللطيف النوراني النازل من عالم هورقليا خارج عن اعتقاد جميع الملّيّين حتّى اليهود والنصارى فضلا عن المسلمين.
__________________
(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٨٣ ، باختصار.
(٢) انظر « حقّ اليقين » : ٤٧ وما بعدها.