والأحاديث على أنّ فعل القبيح والإخلال بالواجب سبب لاستحقاق العقاب.
ولمّا كان لسائل أن يقول : لو كان الإخلال بالواجب سببا لاستحقاق الذمّ ، والإخلال بالقبيح سببا لاستحقاق المدح ، لكان المكلّف إذا أخلّ بالواجب وبالقبيح كان مستحقّا للمدح والذم أيضا ، فيلزم اجتماع الاستحقاقين ، أي استحقاق المدح والذمّ في مكلّف ، وهو ممتنع.
أجاب بقوله : ( ولا امتناع في اجتماع الاستحقاقين باعتبارين ) استحقاق المدح باعتبار الإخلال بالقبيح ، واستحقاق الذمّ باعتبار الإخلال بالواجب ( وإيجاب المشقّة في شكر المنعم قبيح ) ذهب أبو القاسم البلخي إلى أنّ إيجاب هذه التكاليف وقع شكرا للنعم التي أنعم الله تعالى بها فلا يستحقّ المكلّف بها ثوابا (١) فبيّن المصنّف بطلانه ، بأنّ إيجاب المشقّة في شكر المنعم قبيح عند العقلاء ؛ إذ يقبح عقلا أن ينعم الإنسان على غيره نعمة ثمّ يكلّفه ويوجب عليه شكره على تلك النعمة من غير أن يصل إليه ثواب ، والقبيح لا يصدر عن الله تعالى ، فتعيّن أن يكون إيجاب التكاليف لاستحقاق الثواب ( ولقضاء العقل به مع الجهل ) دليل آخر على بطلان هذا المذهب.
تقريره : أنّ العقل يقضي بوجوب شكر المنعم مع الجهل بالتكاليف [ الشرعيّة ، وقضاء العقل بوجوب الشكر مع الجهل بالتكاليف يوجب الحكم بأنّ التكاليف ] (٢) ليست شكرا.
أقول : فيه منع ظاهر.
( ويشترط في استحقاق الثواب كون الفعل المكلّف به ) الواجب أو المندوب ( أو الإخلال به ) أي بالقبيح ( شاقّا ) والمقتضي لاستحقاق الثواب هو المشقّة فإذا انتفت انتفى الثواب.
__________________
(١) حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤٠٩ ؛ و « مناهج اليقين » : ٣٤٧ ؛ وانظر « شرح الأصول الخمسة » للقاضي عبد الجبّار : ٦١٧ ـ ٦١٨.
(٢) الزيادة أثبتناها من المصدر.