اتّفقت الأمّة على أنّ الله تعالى يعفو عن الصغائر مطلقا وعن الكبائر بعد التوبة ، ولا يعفو عن الكفر قطعا.
واختلفوا في جواز العفو عن الكبائر بدون التوبة ، فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّه جائز عقلا غير جائز سمعا (١).
وذهب الباقون إلى وقوعه عقلا وسمعا. (٢) واختاره المصنّف ، واحتجّ على وقوعه عقلا بأنّ العقاب حقّ الله تعالى ، فجاز له إسقاط حقّه ، وبأنّ العقاب ضرر على المكلّف ، ولا ضرر على الله تعالى بإسقاطه ، وكلّ ما كان كذلك فإسقاطه حسن ، وكلّ ما هو حسن فهو واقع.
ولأنّ العفو إحسان والإحسان على الله تعالى واجب. وعلى وقوعه سمعا بالدلائل السمعيّة مثل قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (٣) وقوله تعالى : ( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (٤). إلى غير ذلك من النصوص (٥).
__________________
(١) حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٥ ؛ وفي « مناهج اليقين » : ٣٥٨ ؛ وراجع أيضا « شرح المقاصد » ٥ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ؛ و « شرح الأصول الخمسة » : ٦٤٤.
(٢) المصدر السابق.
(٣) النساء (٤) : ٤٨.
(٤) الزمر (٣٩) : ٥٣.
(٥) في هامش « ب » : « أقول : ورد في أخبار كثيرة ما يدلّ على العفو عن المعاصي الصغيرة والكبيرة ، ففي الخبر : إنّ الله تعالى يحاسب عبده فترجّحت سيّئاته على حسناته ، فيأمر الله تعالى [ به ] إلى النار ، فإذا ذهب به فيقول الله تعالى لجبرئيل عليهالسلام : أدرك عبدي واسأله هل جلست مع العلماء في الدنيا فأغفر له بشفاعتهم؟ فيسأله جبرئيل ، فيقول : لا ، أنت عالم بحال عبدك ، فيقول الله تعالى : اسأله هل أحبّ عالما؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول : اسأله هل جلست على مائدة مع العلماء قطّ؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول الله تعالى : اسأله هل سكنت مسكنا سكن فيه عالم؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول اسأله : هل يشبه اسمه باسم عالم؟ فإن وافق اسمه اسم عالم غفرت له ، فإن لم يوافق دعه ، فيقول الله لجبرئيل عليهالسلام : اسأله هل أحببت رجلا يحبّ العلماء؟ فيسأله ، فيقول : نعم ، فيقول