بعدما ربطت قلبه باللّه والدار الآخرة ، ولم تربطه بأهوائه ونزواته ، لقد زودت العقيدة عقل المسلم وإرادته بالحصانة الواقية من الانحراف أو إيثار العاجل الفاني على الآجل الباقي ، والنَّفس ـ في توجهات آل البيت عليهمالسلام ـ هي منطقة الخطر ، لذلك تصدّرت أولى اهتماماتهم.
ومن هنا نجد أنّ حديث النفس وضرورة السيطرة عليها يحتل مساحةً كبيرةً من أقوال وحكم ومواعظ أمير المؤمنين عليهالسلام ، فلم يترك مناسبة إلاّ واغتنمها في الحديث عن النفس لكونها قطب الرَّحى في عملية بناء الإنسان.
لقد أخبرنا الذكر الحكيم : ( .. بأنَّ اللّه لم يكُ مُغَيِّرا نِعمةً أنعَمَها على قومٍ حتَّى يُغيِّرُوا ما بأنفُسِهِم ) (١) ولذلك فإنَّ ما يلفت نظر الباحث أنّ الإمام عليا عليهالسلام ـ أيام حكومته العادلة ـ كان يوصي عماله على الأقاليم وكبار قادته بالسيطرة على النفس ، على الرغم من انتقائه الدَّقيق لهم ، وكون أكثرهم من ذوي الفضائل العالية والسَّجايا الحميدة ، فمن كتاب له عليهالسلام للأشتر لمّا ولاّه مصر : « هذا ما أمر به عبدُ اللّه عليّ أمير المؤمنين ، مالك بن الحارث الأشتر ... أمَرَهُ بتقوى اللّه ، وإيثار طاعته ... وأمَرَه أن يكسر نفسهُ من الشهوات ... فإنّ النّفس أمّارة بالسوء ، إلاّ ما رحم اللّه ... فاملك هواك ، وشحَّ بنفسك عمّا لا يحلَّ لك ، فإنّ الشُّحَّ بالنفسِ الإنصافُ منها فيما أحبَّت أو كرهت وأشعر قلبك الرحمة للرعية » (٢).
ومن وصية له لشريح بن هاني أحد قادته العسكريين ، لمّا جعله على
__________________
(١) الانفال ٨ : ٥٣.
(٢) نهج البلاغة ، لصبحي الصالح : ٤٢٧.