من أجل ذلك يرشد آل البيت عليهمالسلام إلى أهمية الملاحظة الواعية والنَّظرة العميقة التي لا تقتصر على ظواهر الأمور ، بل تنفذ إلى الأعماق ، وما تنطوي عليه من أبعاد ، ودلالات تضمنية أو التزامية. فعن الحسن الصيقل ، قال : قلتُ لابي عبداللّه عليهالسلام : تفكّر ساعة خير من قيام ليلة؟ قال عليهالسلام : « نعم ، قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : تفكّر ساعة خير من قيام ليلة » (١).
ولمّا مرَّ أمير المؤمنين عليهالسلام بخرائب المدائن ، أعطى لأصحابه درسا حول العبرة من التأريخ ، قال عليهالسلام : « إنّ هؤلاء القوم كانوا وارثين ، فأصبحوا مورثين ، وإنّ هؤلاء القوم استحلّوا الحُرم فحلّت فيهم النّقم ، فلا تستحلوا الحُرم فتحلَّ بكم النقم » (٢).
وقال عليهالسلام : « فاعتبروا بما أصاب الاُمم المستكبرين من قبلكُم من بأس اللّه وصولاته ، ووقائعه ومثلاته .. » (٣).
وذهب الإمام علي عليهالسلام إلى أبعد من ذلك ، عندما أشار إلى أن السُنّة التأريخية تنطبق على الجميع ، في كلِّ مكان وزمان ، ولا تقتصر على تدمير الكافرين والمستكبرين ، بل تطال المؤمنين أيضا ، إذا لم يلتزموا ـ عمليا ـ بالمنهج الإلهي في الحياة ، وإذا حادوا عن جادّة الصواب وذلك حين تختلف الكلمة وتسود الفرقة ، وفي هذا الصدد يقول عليهالسلام : « وتدبَّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم ، كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء .. فانظروا كيف كانوا حيثُ كانت الأملاء مجتمعةً والأهواءُ مؤتلفة ..
__________________
(١) بحار الانوار ٧١ : ٣٢٥ ، عن المحاسن : ٢٦.
(٢) كنز العمال ١٦ : ٢٠٥.
(٣) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٢٩٠.