فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أُمورهم حين وقعت الفرقة ، وتشتَّتت الاُلفة ، واختلفت الكلمة والأفئدة ، وتشعّبوا مختلفين ، وتفرّقوا متحاربين ، قد خلع اللّه عنهم لباس كرامته ، وسلبهم غضارة نعمته ، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين » (١).
وكان من جملة وصيته الذهبية لابنه الحسن عليهالسلام يحثه على التفكر في أحوال الاُمم الماضية ، وهو ما يسمى اليوم بـ « فلسفة التأريخ » : « أيْ بُنيَّ إنّي وإن لم أكُن عُمِّرتُ عمر من كان قبلي ، فقد نظرتُ في أعمالهم ، وفكرت في أخبارهم ، وسرتُ في آثارهم ، حتى عُدتُ كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إليَّ من أمورهم قد عُمِّرت مع أوّلهم إلى آخرهم .. » (٢).
ثالثا : النظر في حكمة التشريع : والغرض من ذلك ترسيخ قناعة المسلم بتشريعه وصوابيته وبيان صلاحيته للتطبيق في كلِّ زمان ومكان ، من أجل أن تنقشع عن فكر المسلم غيوم الشبهات التي يثيرها أعداء العقيدة من حوله. وإذا كانت بعض أحكام الدين الإسلامي توقيفية ، تدعو المسلم نحو التسليم بها ، ولا يجدي معها إعمال العقل ، كالأُمور العبادية ، إلاّ أن هناك تشريعات في الإسلام ذات أبعاد اجتماعية كشف القرآن لنا عن الحكمة الكامنة من وراء تشريعها لمصالح تعود إلى الفرد والمجتمع ، من قبيل قوله تعالى : ( ولكُم في القِصَاصِ حياةٌ يأُولي الألبابِ لعلَّكُم تتَّقون ) (٣).
__________________
(١) نهج البلاغة : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.
(٢) نهج البلاغة : ٣٩٣ ـ ٣٩٤.
(٣) البقرة ٢ : ١٧٩.