وقال تعالى : ( قُلْ هَاتُوا بُرهَانَكُم إن كُنتُم صادِقِينَ ) (١).
فلا قيمة لدعوى لا تستند إلى برهان صحيح ، وإذا كان الزمخشري قد رأى أنَّ هذا النصّ هو « أهدمُ شيء لمذهب المقلّدين » (٢). فإنَّ فيه ما يفيد أكثر من ذلك ، إذ قد ينصرف لفظ المقلّدين إلى من غلب عليهم التقليد ، لكنَّ هذا النصَّ حاكم على دائرة الفكر البشري بكامل أجزائها ونواحيها ، فقد يقع المفكرون ـ وكثيرا ما وقعوا ـ بأغلاط كبيرة نتيجة اعتمادهم بعض الكليات العامّة التي استقر في أذهانهم أنها بديهيات لا تحتاج إلى برهان ، بينما لم تكن هذه الكليات في حقيقة أمرها إلاّ تصوّرات صادرة عن أوهام أو قصور في العقل. وهذا كثير في أغلاط أهل الجدل ، بل قد يقع أحيانا حتى في العلوم التطبيقية ، حين يُنظر إلى بعض الاستنتاجات على أنّها قوانين علمية ثابتة ، في حين أنّها استنتاجات قائمة على ملاحظات ناقصة ، وهكذا نلمس مدى أكبر لدعوة القرآن الكريم إلى تقديم البرهان التام على كلِّ مقولة ودعوى وسواء كانت في العلوم العقلية ، أو في العلوم التطبيقية.
ولا شك أنّ مساحة النظر والتدبّر واسعة ، سعة المعارف والمواقف ، وسنشير هنا إلى أثرين مهمّين :
أحدهما عام عموم النص القرآني المذكور ، وإن استهدف في ظاهره العقل المقلّد والمتابع ، شأن طوائف الناس الذين يغلب عليهم التقليد في عقائدهم ومواقفهم.
__________________
(١) البقرة ٢ : ١١١ ، النمل ٢٧ : ٦٤.
(٢) الكشاف ١ : ١٧٨.