إنشاء الوظيفة العمليّة وتحديد ما هو الموقف العملي كان المورد من الأصول.
مثال الأوّل خبر الثقة الكاشف كشفا تكوينيّا ناقصا عن الواقع ، فجعل الحجيّة له هو بلحاظ كاشفيّته وطريقيّته وتتميم هذا الكشف الناقص عن الواقع إلى الكشف التامّ اعتبارا وتعبّدا ، فكان المجعول هو الكاشفيّة والطريقيّة ولذلك فخبر الثقة من الأمارات ؛ لأنّه طريق.
ومثال الثاني البراءة والاحتياط والاستصحاب ، فإنّ المجعول فيها ليس الكاشفيّة والطريقيّة ؛ إذ لا يوجد كشف تكويني فيها ، بل هناك شكّ فقط في الطرفين. وهذا يعني أنّها مجعولة لأجل تحديد الموقف العملي اتّجاه هذا الواقع المشكوك ؛ لأنّ هذا الشاكّ إمّا أن يفعل أو يترك لا محالة ، فهي تحدّد له موقفه ووظيفته العمليّة ولذلك فهي أصول.
ولمزيد توضيح ذكر المحقّق النائيني تقسيم آخر للأصول العمليّة فإنّها تقسّم إلى قسمين ولذلك قال :
وفي هذه الحالة إذا كان إنشاء الوظيفة العمليّة بلسان تنزيل مؤدّى الأصل منزلة الواقع في الجانب العملي ، أو تنزيل نفس الأصل أو الاحتمال المقوّم له منزلة اليقين في جانبه العملي لا الإحرازي فالأصل تنزيلي أو أصل محرز ، وإذا كان بلسان تسجيل وظيفة عمليّة محدّدة بدون ذلك فالأصل عملي صرف.
مقدّمة : إنّ العلم الوجداني له جوانب أربعة :
١ ـ الاستقرار والإذعان النفسي بحيث لا ريب ولا شكّ عند النفس.
٢ ـ الكشف التامّ عن الواقع بنحو لا يعتريه ريب ولا شكّ.
٣ ـ الجري العملي على طبق ما انكشف وما علم كالبعث والتحريك أو الزجر.
٤ ـ المنجزيّة والمعذريّة فهو يدخل التكليف في العهدة في صورة الإلزام ، ويؤمّن عنه في صورة قيامه على الترخيص والإباحة.
وعلى هذا الأساس ذكرت مدرسة الميرزا وجه التفرقة بين الأمارات والأصول من جهة ، وبين الأصول التنزيلية والمحرزة والأصول المحضة الصرفة من جهة أخرى.
ففي الأمارات يكون المجعول في الحكم الظاهري هو الكاشفيّة والطريقيّة ، ولذلك فهي طريق إلى الواقع.