حمليّة ـ والمفروض في القضايا الحمليّة أن يكون الموضوع موجودا فعلا ـ إلا أنّها في حقيقتها وجوهرها وروحها قضيّة شرطيّة ؛ لأنّها بالتحليل العقلي بمعنى قوله : ( إن وجد عالم فأكرمه ). فبأحد هذين اللسانين يصوغ المولى القضيّة الحقيقيّة التي ملاكها أن يكون الموضوع مفترض الوجود في ذهن الحاكم وتصوّره ، بقطع النظر عن كونه موجودا في الخارج أو لا.
وهناك فوارق بين القضيّتين : منها ما هو نظري ، ومنها ما يكون له مغزى عملي.
توجد فوارق نظريّة وأخرى عمليّة بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة لا بأس بالإشارة إلى جملة منها :
فمن الفوارق : أنّنا بموجب القضيّة الحقيقيّة نستطيع أن نشير إلى أي جاهل ونقول : ( لو كان هذا عالما لوجب إكرامه ) ؛ لأنّ الحكم بالوجوب ثبت على الطبيعة المقدّرة وهذا مصداقها ، وكلّما صدق الشرط صدق الجزاء ، خلافا للقضيّة الخارجيّة التي تعتمد على الإحصاء الشخصي للحاكم ، فإنّ هذا الفرد الجاهل ليس داخلا فيها لا بالفعل ولا على تقدير أن يكون عالما. أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني فلأنّ القضيّة الخارجيّة ليس فيها تقدير وافتراض ، بل هي تنصبّ على موضوع ناجز.
من الفوارق النظريّة بين القضيّتين هو :
في القضيّة الحقيقيّة : ( أكرم العالم ) يمكننا أن نشير إلى فرد جاهل ونقول في حقّه هذه القضيّة الشرطيّة الافتراضيّة ، وهي : ( إن كان هذا الجاهل عالما فيجب إكرامه ) ؛ لأنّ القضيّة الحقيقيّة مجعولة على الموضوع المفترض والمقدّر الوجود ، أي كلّ فرد يتّصف بماهيّة العلم يجب إكرامه في أي زمان وأي مكان. والقضيّة الشرطيّة المفروضة صادقة من حيث الفرض والتقدير والتصوّر ؛ لأنّ الجزاء فيها معلّق على فرض تحقّق الشرط والشرط متحقّق تصوّرا وذهنا وإن لم يكن متحقّقا صدقا وخارجا ؛ إذ يكفي في صدق القضيّة الشرطيّة أن تكون صادقة ذهنا وتصوّرا ، ولا يشترط أن يكون شرطها متحقّقا واقعا وصادقا خارجا.
وأمّا في القضيّة الخارجيّة فلا يمكننا الإشارة إلى هذا الفرد الجاهل ونقول : ( إن كان هذا الجاهل عالما فيجب إكرامه ) ؛ وذلك لأنّ القضيّة الخارجيّة تعتمد على إحصاء