الحاكم والاستقراء والتتبّع لأفراد موضوعه في الزمان الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، فعند ما يصبّ حكمه يكون مصبّه هو الأفراد في الخارج الذين يتّصفون بهذا الوصف والماهيّة ، وهذا الجاهل ليس فردا من أفراد الموضوع لا فعلا ولا تقديرا. أمّا أنّه ليس فردا بالفعل فلأنّه جاهل بحسب الفرض وليس عالما فلم يكن داخلا في الأفراد الذين أحصاهم الحاكم ولاحظهم وأشار إليهم. وأمّا أنّه ليس فردا بالفرض والتقدير فلأنّ القضيّة الخارجيّة ليس فيها فرض وتقدير في أفرادها ، بل أفرادها يكونون مصبّا للحكم بما هم موجودون في إحصاء الحاكم. فالقضيّة الخارجيّة تنصبّ على الموضوع الفعلي الناجز لا على الموضوع المفترض والمقدّر.
ومن الفوارق : أنّ الموضوع في القضيّة الحقيقيّة وصف كلّي دائما يفترض وجوده فيرتّب عليه الحكم ، سواء كان وصفا عرضيّا كالعالم أو ذاتيّا كالإنسان. وأمّا الموضوع في القضيّة الخارجيّة فهو الذوات الخارجيّة أي ما يقبل أن يشار إليه في الخارج بلحاظ أحد الأزمنة ، ومن هنا استحال التقدير والافتراض فيها ؛ لأنّ الذات الخارجيّة وما يقال عنه : ( هذا ) خارجا لا معنى لتقدير وجوده ، بل هو محقّق الوجود.
من الفوارق النظريّة بين القضيّتين هو أنّ الموضوع في القضيّة الحقيقيّة لا بدّ أن يكون وصفا كلّيّا دائما ، ولا يمكن أن يكون مفهوما جزئيّا ؛ لأنّ الوصف الكلّي هو الذي يقبل الافتراض والتقدير والذي هو جوهر القضيّة الحقيقيّة فيرتّب الحكم على هذا الموضوع الذي هو عنوان كلّي بفرض وجوده ، دون الجزئي الذي لا يكون إلا مشخّصا ومتميّزا في الخارج عن غيره ، ولذلك فهو لا يقبل الفرض والتقدير ؛ لأنّه موجود فعلا.
ثمّ إنّ هذا العنوان والقصد الكلّي على قسمين :
فتارة يكون وصفا عرضيّا كالعالم ، فإنّ العالم هو الذات التي يعرض عليها العلم. فالعلم عرض على الذات ، فيقال مثلا : ( أكرم العالم ) ، أو ( إن وجد عالم فأكرمه ). فينصبّ الحكم على هذا العنوان العرضي الكلّي المفترض الوجود.
وأخرى يكون وصفا ذاتيّا كالإنسان ، فإنّه ذات تتألّف بالتحليل العقلي من جنس وفصل ، وهي عنوان كلّي ، فيقال مثلا : ( أكرم الإنسان ) ، أو ( إن وجد إنسان فأكرمه ).