وأمّا في العلم التعبّدي الجعلي فإنّ هذه الملازمة لا يعلم بثبوتها بمجرّد جعل الأمارة علما ؛ لأنّ جعلها علما إنّما هو بلحاظ الملزوم والمؤدّى والتعبّد بثبوته ، فهو ثابت تعبّدا لا حقيقة ووجدانا ولذا قد لا يكون موجودا في الواقع أصلا ، وعليه فترتّب اللوازم على الملزوم المعلوم تعبّدا لا بدّ فيه من نظر الشارع والجاعل إلى هذه الملازمة والتعبّد بها أيضا ، وإلا فإنّه يمكن التفكيك بين ثبوت الملزوم تعبّدا وعدم ثبوت اللازم تعبّدا أيضا ؛ لأنّ التعبّد والجعل بيد الشارع والجاعل وهو يحدّده بالمقدار الذي يريده سعة وضيقا ؛ لأنّ الجعل بيده.
ومن هنا ذهب إلى أنّ الأصل في الأمارات أيضا عدم حجّيّة مثبتاتها ومدلولاتها الالتزاميّة ، وأنّ مجرّد جعل شيء حجّة من باب الأماريّة لا يكفي لإثبات حجّيّته في المدلول الالتزامي.
والنتيجة التي ينتهي إليها السيّد الخوئي هي : أنّ الأمارات والأصول علي حدّ سواء ، بمعنى أنّ الأصل والقاعدة الأوّليّة فيهما أنّ اللوازم غير حجّة وليست ثابتة ، بل تحتاج إلى قرينة أو دليل مستقلّ. فالأمارات كالأصول في عدم حجّيّة مثبتاتها ولوازمها. ومجرّد جعل شيء حجّة من باب كونه أمارة لا يكفي لإثبات حجّيّة اللوازم والدلالات الالتزاميّة ؛ لأنّ جعل الحجّيّة يتحدّد بالمقدار الذي يجعله الشارع سعة وضيقا ، فلا بدّ من النظر إلى دليل التعبّد لنرى هل يمكننا استظهار أنّ اللوازم حجّة أم لا؟
نعم ، في باب الأمارات التي لسانها الإخبار تكون اللوازم حجّة كالإقرار والبيّنة وخبر العادل ، فما يصدق عليه عنوان الإخبار والحكاية عن الواقع يكون العلم فيه علما بلوازمه أيضا ، والدليل على ذلك هو السيرة القطعيّة الممضاة (١).
والصحيح ما عليه المشهور من أنّ دليل الحجّيّة في باب الأمارات يقتضي حجّيّة
__________________
(١) وهكذا التزم السيّد الخوئي بعدم حجّيّة مثبتات الأمارة إلا ما قام الدليل عليه ؛ كالسيرة العقلائيّة القائمة على حجّيّة لوازم ما يكون إخبارا عن الواقع وحكاية عنه كخبر العادل ونحوه.
وكان الأولى أن لا يلتزم بالمبنى أصلا ، بدلا من الالتزام به والخروج عمّا هو متعارف عقلائيّا ومشهور أصوليّا من حجّيّة لوازم الأمارات ، فيكون هذا المبنى فاسدا ؛ لأنّه يلزم منه هذا المحذور وهو عدم حجيّة الأمارات ، لا أنّنا نتمسّك به وننفي الحجّيّة عن الأمارات.