فالنكتة التي ميّز على أساسها بين الأمارات والأصول جعلها أيضا هي النكتة في تفسير أنّ الأمارة حجّة دون الأصل ، أي نكتة جعل الطريقيّة والعلميّة في الأمارة دون الأصل.
مع أنّنا عرفنا سابقا (١) أنّ هذا ليس جوهر الفرق بين الأمارات والأصول ، وإنّما هو فرق في مقام الصياغة والإنشاء ، ويكون تعبيرا عن فرق جوهري أعمق.
والمبنى الذي ذكره الميرزا سواء في تمييز الأمارات عن الأصول أو في إبراز النكتة لحجّيّة لازم الأمارات دون الأصول تقدّم سابقا أنّه غير صحيح ، بمعنى أنّ الفارق بين الأمارات والأصول ليس في عالم الإثبات والدلالة والصياغة ليقال بأنّ المجعول إن كان الطريقيّة فهو أمارة وإن كان الوظيفة فهو أصل ، وإنّما الفارق بينهما ثبوتي وجوهري أعمق من هذا الفارق في عالم الصياغة والإنشاء ، نعم الفارق المذكور يكشف عن فارق جوهري عميق بينهما لا أنّه هو الفارق بينهما ، إذ هو مجرّد صياغة اعتباريّة وهي سهلة المئونة. وهذا الفارق الجوهري هو :
وهو أنّ جعل الحكم الظاهري على طبق الأمارة بملاك الأهميّة الناشئة عن قوّة الاحتمال ، وجعل الحكم الظاهري على طبق الأصل بملاك الأهميّة الناشئة من قوّة المحتمل ، فكلّما جعل الشارع شيئا حجّة بملاك الأهمّيّة الناشئة من قوّة الاحتمال كان أمارة ، سواء كان جعله حجّة بلسان أنّه علم أو بلسان الأمر بالجري على وفقه.
والفارق الجوهري العميق بين الأمارات والأصول ما تقدّم سابقا : من أنّ الحكم الظاهري يجعله الشارع في مقام التزاحم الحفظي بين الملاكات الواقعيّة في صورة الاشتباه والشكّ وعدم التمييز. وهناك إن كانت الملاكات الإلزاميّة هي الأهمّ أصدر حكما ظاهريّا بالتوقّف والاحتياط ، ولو كانت الملاكات الترخيصيّة هي الأهمّ أصدر ترخيصا وإباحة. وهذه الأهمّيّة التي يلحظها الشارع تارة تكون بلحاظ قوّة الاحتمال الكاشف فيكون هذا الحكم الظاهري أساسا ، وأخرى يكون بلحاظ قوّة المحتمل والمنكشف فيكون أصلا عمليّا ، وثالثة يكون بلحاظ قوّة الاحتمال والمحتمل معا فهو أصل تنزيلي أو محرز.
__________________
(١) تحت عنوان : الأمارات والأصول.