وبذلك يختلف المقام عن خبرين عرضيّين عن الحريق من شخصين إذا علم باشتباه أحدهما في رؤية الحريق ، فإنّ ذلك لا يبرّر سقوط الخبر الآخر عن الحجّيّة ؛ لأنّ افتراض عدم صحّة الخبر يتضمّن اشتباها وراء الاشتباه الذي علم.
ومقامنا يختلف عمّا إذا كان هناك خبران عرضيّان عن شخصين مختلفين يخبران عن دخول زيد إلى النار ، فإنّ المدلول الالتزامي في كلّ منهما هو احتراقه وموته. فإذا علمنا بأنّ أحد هذين الشخصين كان كاذبا أو مخطئا أو مشتبها في نقله لهذا الخبر ، وأنّ الشخص لم يدخل إلى النار أصلا ، فهنا يسقط مدلوله الالتزامي عن الحجّيّة كما تقدّم ؛ لأنّ النكتة واحدة في المدلولين.
وأمّا خبر الشخص الآخر فلا يسقط عن الحجّيّة سواء في مدلوله المطابقي أو الالتزامي ؛ لأنّ إسقاطه يحتاج إلى إثبات عناية زائدة عن النكتة التي أسقطت ذاك الخبر ؛ لأنّ اشتباه ذاك الشخص لا يستلزم اشتباه هذا الشخص أيضا ، بل كلّ منهما مستقلّ في إخباره ولكلّ منهما حيثيّة كشف خاصّة ومستقلّة عن الآخر. فإسقاطه يحتاج إلى إثبات أنّه كاذب أو مخطئ أو مشتبه زيادة على الاشتباه والخطأ والكذب في ذاك الشخص.
والسرّ في الفرق بين مقامنا وبين هذا المقام هو أنّه في مقامنا توجد حيثيّة كشف واحدة في المدلولين ، بينما هنا يوجد حيثيّتان كاشفتان مستقلّتان في كلّ خبر منهما.
فالصحيح أنّ الدلالة الالتزاميّة مرتبطة بالدلالة المطابقيّة في الحجّيّة.
فكما أنّ الدلالة الالتزاميّة تابعة ومتفرّعة عن الدلالة المطابقيّة في الثبوت والوجود كذلك هي متفرّعة عليها في السقوط والحجّيّة أيضا ، بناء على ما ذكرناه.
وأمّا الدلالة التضمّنيّة فالمعروف بينهم أنّها غير تابعة للدلالة المطابقيّة في الحجّيّة.
الدلالة التضمّنيّة هي أن يكون للكلام ظهور ضمني في الشمول والعموم لكلّ جزء جزء ولكلّ فرد فرد من الأجزاء أو الأفراد.
فقولنا مثلا : ( تجب الصلاة ) تنحلّ إلى وجوبات ضمنيّة لكلّ جزء من أجزائها ، فالركوع واجب ضمني والسجود والقراءة ، وهكذا.
وقولنا : ( أكرم العالم ) ينحلّ إلى وجوبات ضمنيّة بإكرام كلّ فرد من أفراد العالم.
وقولنا : ( أكرم كلّ عالم ) كذلك ينحلّ إلى وجوبات متعدّدة ضمنيّة لكلّ فرد فرد.