المحاولة الثانية لدفع الملاحظة الثالثة : ما ذكره السيّد الخوئي رحمهالله من وصف القاعدة الأصوليّة بالوحدة ، حيث قال في تعريفه لعلم الأصول : ( هو العلم بالقواعد التي تقع بنفسها في طريق استنباط الأحكام الشرعيّة الكليّة الإلهيّة من دون حاجة إلى ضميمة كبرى أو صغرى أصوليّة أخرى إليها ). وهذا يعني أنّ القاعدة الأصوليّة ضابطها أن تكون وحدها كافية لاستنباط الحكم الشرعي ، من دون أن تحتاج إلى غيرها من القواعد الأصوليّة سواء وقعت صغرى أو كبرى في القياس ، وأمّا مع احتياجها إلى غيرها من القواعد الأصوليّة سواء وقعت صغرى أو كبرى لها فهي ليست بأصوليّة ، وعلى أساس هذا الضابط الجديد سوف لا تدخل مسائل اللغة ومسائل علم الرجال والقواعد الفقهيّة ؛ وذلك لأنّها محتاجة إلى ضميمة قاعدة أصوليّة إليها في قياس الاستنباط.
فمثلا : كلمة الصعيد لا تكفي وحدها لاستنباط الحكم الشرعي بوجوب التيمّم عند فقد الماء ، بل هي بحاجة إلى ضمّ ظهور صيغة الأمر في الوجوب ؛ لأنّ كلمة الصعيد وقعت مدخولا لصيغة الأمر بقوله تعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(١) فما لم يتمّ لصيغة الأمر الظهور في الوجوب فلا يستنتج من كلمة الصعيد أي حكم شرعي ، وهذه القاعدة التي انضمّت إلى كلمة الصعيد من القواعد الأصوليّة ، ممّا يعني أنّ كلمة الصعيد ونحوها من مباحث اللغة ليست من القواعد الأصوليّة ؛ لأنّها احتاجت إلى القاعدة الأصوليّة في قياس الاستنباط. وكذا الحال في مسائل علم الرجال ، فهي تحتاج إلى ضمّ قاعدة حجيّة خبر الثقة إليها ؛ ليستقيم الاستنباط للحكم الشرعي ، وحجيّة خبر الثقة من القواعد الأصوليّة ، فالاحتياج إليها يعني أنّ مسائل علم الرجال لا تدخل في الأصول ولا ينطبق عليها التعريف.
ولا يقال هنا : إنّ هذا الضابط يخرج منه بعض القواعد الأصوليّة ؛ لاحتياجها إلى غيرها من القواعد الأصوليّة كظهور صيغة الأمر ، حيث تحتاج إلى حجيّة الظهور.
وكذا غيرها من القواعد الأصوليّة كالعموم والمفاهيم ونحوهما حيث يقال : صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب وكلّ ظاهر حجّة ، فهنا وقعت صغرى لكبرى حجيّة الظهور والتي هي قاعدة أصوليّة ، فيلزم ألاّ تكون صيغة الأمر من القواعد الأصوليّة على هذا التعريف ؛ لهذه الضميمة الأصوليّة.
__________________
(١) النساء : ٤٣. المائدة : ٦.