ليس مرادفا لكلمة ( في ) بحيث لا يمكن استعمال أحدهما مكان الآخر ، فكيف دلّت كلمة ( في ) على الظرفيّة إذا؟
ومن هنا يكون البحث حول مدلول كلمة ( في ) على الظرفيّة وفرقها عن استعمال كلمة ( الظرفيّة ) من مباحث علم الأصول ؛ لأنّ هذا البحث يرتبط ارتباطا وثيقا في عمليّة الاستنباط فيما إذا وردت كلمة ( في ) في دليل شرعي ، إذ توجد ثمرات وفوائد عمليّة كما سيأتي في محلّه. فإنّ هذه المعاني الحرفيّة هل الوضع فيها عامّ والموضوع له عامّ أو أنّ الوضع عامّ والموضوع له خاصّ؟ والثمرة هي أنّه هل يمكن الإطلاق فيها أو لا؟
وهكذا الحالة بالنسبة لكثير من البحوث كهيئات الجمل التامّة والناقصة ، فإنّ المعنى مختلف فيهما مع أنّ الموادّ التي تتألّف منها الجملتان قد تكون واحدة ، فكيف حصل الاختلاف وما هو المعنى الذي تدلّ عليه هذه الهيئات تفصيلا؟
فإنّ كلّ هذه البحوث لم يتعرّض لها أهل اللغة مع كونها ذا أهميّة في علم الأصول.
ومن الواضح أنّ البحث التحليلي بهذا المعنى لا يرجع فيه إلى مجرّد التبادر أو نصّ علماء اللغة ، بل هو بحث علمي تولاّه علم الأصول في حدود ما يترتّب عليه أثر في عمليّة الاستنباط ، على ما يأتي (١) إن شاء الله تعالى.
وهذا البحث التحليلي لمدلول المعاني لا يمكن الرجوع فيه إلى أهل اللغة ؛ لأنّهم لم يبحثوا ذلك ، ولا يمكن الاعتماد فيه على التبادر ؛ لأنّه عمليّة عفويّة لتعيين المعنى المدلول من اللفظ أو الظاهر عند تعدّد المعاني. ونحن لا نشكّ في المعنى إجمالا ولكن نريد أن نتبيّن حقيقة هذا المعنى ، وكيف يدلّ عليه اللفظ. وهذا البحث العلمي التحليلي تولاّه علم الأصول بالحدود التي يترتّب عليها أثر عملي في عمليّة الاستنباط ، إذ لا يراد من البحث التحليلي هنا التوسّع في كيفيّة نشوء العلاقة بين اللفظ والمعنى وكيفيّة الارتباط بينهما ، وما هو منشأ العلاقة والارتباط ، وكيف تمّ جعل هذه العلاقة اللغويّة ، فإنّ ذلك موكول إلى فلسفة اللغة وفقهها.
فأهل اللغة مثلا قالوا : إنّ الجملة التامّة ما يحسن السكوت عليها ، بينما الجملة الناقصة لا يحسن السكوت عليها.
__________________
(١) في نهاية بحث المعاني الحرفيّة ، تحت عنوان : الثمرة.