منظورا إليها بما هي حقيقة واقعة وشيء مفروغ عنه ، والجملة الإنشائيّة موضوعة لنسبة تامّة منظورا إليها بما هي نسبة يراد تحقيقها ، كما تقدّم في الحلقة الأولى (١).
الاتّجاه الثالث : وهو الصحيح عند السيّد الشهيد وهو أنّ الجملتين الخبريّة والإنشائيّة مختلفتان في مدلولهما التصوّري ، فضلا عن المدلول التصديقي الاستعمالي أو الجدّي ، سواء كانت الجملتان متّحدتين باللفظ ( بعت ) الخبريّة والإنشائيّة أو كانتا مختلفتين كالطلب ونحوه من الإنشائيّات.
وكذا لو كان المدلول فيهما نسبة واحدة أي النسبة التصادقيّة ، فمع ذلك نقول : إنّ المدلول التصوّري الوضعي مختلف بينهما.
فالجملة الخبرية كقولك : ( بعت الكتاب بدرهم ) إخبارا وحكاية عن موضوع البيع بالأمس موضوعة بالمدلول التصوّري الوضعي لنسبة تامّة وهي النسبة التصادقيّة بين البيع والبائع ، ولكن منظورا إليها بما هي حقيقة وواقعة وشيء مفروغ عن تحقّقه في الخارج. والمتكلّم إنّما يخبر ويحكي عن هذه النسبة فقط.
بينما الجملة الإنشائيّة كقولك : ( بعت الكتاب بدرهم ) إنشاء للمعاملة وللتمليك الآن عند صدور هذا الكلام موضوعة بالمدلول التصوّري الوضعي لنسبة تامّة ، وهي النسبة التصادقيّة أيضا بين البيع والبائع ، ولكن منظورا إليها بما هي نسبة يراد تحقيقها في الخارج. فهي واقعة وشيء لم يفرغ عن تحقّقه وثبوته قبل إنشاء هذه المعاملة ، وإنّما ينظر إليها بما هي نسبة في طور التحقّق والثبوت.
وبهذا يتّضح أنّ الاختلاف بين الجملتين جوهري ، وهو في المعنى الموضوع في كلّ منهما ، وليس فقط في مرحلة الاستعمال والإرادة الجدّيّة. وهذا الاختلاف ثابت حتّى وإن كانت الجملتان متّحدتين باللفظ وتدلاّن على نسبة تامّة وهي النسبة التصادقيّة.
ولمزيد من التوضيح نعرض رأي السيّد الشهيد بنحو من الاختصار في كلّ من الجمل الإنشائيّة والإخباريّة سواء المشتركتين أو المختلفتين.
فنقول : إذا كانت الجمل الإنشائيّة متمحّضة في الإنشاء كالطلب ( الأمر والنهي ) والتمنّي والترجّي والنداء ونحو ذلك ، فهي تحتاج إلى ثلاثة أطراف الأوّل والثاني
__________________
(١) ضمن تمهيد بحث الدلالة ، تحت عنوان : الجملة الخبريّة والجملة الإنشائية.