لاستحالة تصوير هذا الجامع. وكيف يكون جامعا بين المسائل والموضوعات المتخالفة والمتباينة والمتناقضة؟!
وعلى هذا الأساس استساغوا ألاّ يكون لعلم الأصول موضوع ، غير أنّك عرفت أنّ لعلم الأصول موضوعا على ما تقدّم (١).
الصحيح هو وجود موضوع لكلّ علم من العلوم ومن جملتها علم الأصول بدليل حاصله :
إنّ كلّ علم من العلوم له محور يدور البحث حوله ، وكلّ مسائل العلم التي تدوّن في هذا العلم تأتي متأخّرة عن وجود هذا المحور ، فهو موجود قبل أن تتحقّق المسائل في الخارج ولا يتوقّف وجوده على وجودها ولذلك يمكن أن تختلف هذه المسائل في مرحلة التدوين والتصنيف عن هذا المحور ؛ نتيجة لتأثّر البحث أو الباحث بأمور خارجة عارضة عليه إلا أنّه لا يمنع من كون هذا المحور المذكور موجودا قبلها ، وهو الباعث على تدوينها في هذا العلم.
فمثلا علم الفلسفة يدور حول محور واحد وهو الوجود أو الموجود بما هو موجود ، وكلّ المسائل التي تبحث وتدوّن في هذا العلم تدور حول هذا المحور ، إلا أنّنا نجدها في مرحلة التدوين والتصنيف تختلف عن هذا المحور فنجد موضوعات مسائل هذا العلم موزّعة على الوجود والعدم والماهيّة والوجوب والإمكان والضرورة والحركة ... إلى آخره ، ونجد أنّ الوجود والذي هو المحور الذي يجب أن تدور البحوث حوله نجده يجعل محمولا لها ، فيقال : الماهيّة موجودة والإنسان موجود مع أنّها ليست إلا تعيّنات ومصاديق للوجود ، فهي التي تحمل عليه بحسب الحقيقة والدقّة ، إلا أنّ هذا لا يشكّل مانعا وذلك نتيجة لتأثّر الباحث بهذه الأمور فجعلها موضوعا وعكس الحمل.
وكذلك الحال بالنسبة لعلم الفقه فإنّ له محورا تدور حوله كلّ موضوعات مسائله ، وهذا المحور هو الحكم الشرعي ، فكلّ الأبواب الفقهيّة مهما اختلفت من جهة التدوين والتصنيف ومهما تغايرت ماهيّاتها ومقولاتها فهي تدور حول الحكم الشرعي ، والذي هو الأحكام التكليفيّة الخمسة الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة والأحكام الوضعيّة مثل الصحّة والفساد وغيرها. وعلم الأصول لا
__________________
(١) في بداية هذا البحث.