وأمّا القيد الثانوي المميّز للحاظ الماهيّة لا بشرط أي عدم اللحاظين فهو ليس مرآة ولا حاكيا أو كاشفا عن القيد الأوّلي.
وذلك لسببين :
الأوّل : أنّ عدم اللحاظين عبارة عن أمر عدمي والأمر العدمي لا يحكي ولا يكشف عن شيء ولا يكون ملحوظا به أي شيء في الخارج ؛ لأنّ العدم غير المضاف إلى صفة وجوديّة لا يحكي عن الخارج ولا يلحظ به شيئا خارجيّا ، ولذلك لا يكون حاكيا عن قيد أوّلي ؛ لأنّ القيد الأوّلي ما كان موجودا في الخارج. والعدم المطلق لا يحكي عن الوجود ؛ لأنّهما نقيضان لا يجتمعان مطلقا.
الثاني : أنّ عدم اللحاظين كما قلنا : إنّ معناه عدم لحاظ صفة العلم وعدم لحاظ صفة اللاّعلم ، ومن الواضح كما تقدّم سابقا أنّ الماهيّة في الخارج لها حصّتان فقط هما الماهيّة بقيد العلم أي الواجدة للعلم ، والماهيّة بقيد عدم العلم أي الماهيّة الفاقدة للعلم. وأمّا الماهيّة بما هي هي مجرّدة عن العلم واللاّعلم فهي غير موجودة في الخارج بنحو مستقلّ ؛ لأنّ العلم واللاّعلم لا يرتفعان عن الماهيّة ؛ لأنّهما نقيضان. وهذا يعني أنّه لا يوجد شيء مقابل لهذا القيد الثانوي لكي يحكي ويكشف عنه ويكون مرآة له.
ومن هنا نعرف أنّ الملحوظ والمرئي والمحكي بلحاظ الماهيّة لا بشرط هو ذات الماهيّة ، أي الماهيّة بما هي مجرّدة عن قيد الاتّصاف بالعلم الذي هو المقيّد ، ومجرّدة عن قيد الاتّصاف بعدم العلم الذي هو المطلق ، وهذه الماهيّة محفوظة ضمنهما ؛ لأنّ الماهيّة تتحقّق ضمن الفرد المقيّد الواجد للعلم وضمن الفرد المطلق الفاقد للعلم. ولا توجد بنحو مستقلّ عنهما.
وعلى هذا الأساس صحّ القول بأنّ المرئي والملحوظ باللحاظ الثالث اللابشرطي جامع بين المرئيّين والملحوظين باللحاظين السابقين لانحفاظه فيهما ، وإن كانت نفس الرؤية واللحاظ متباينة في اللحاظات الثلاثة.
الأمر الخامس : في بيان حقيقة اللاّبشرط.
تقدّم أنّ اللحاظ الثالث من اللحاظات الذهنيّة للماهيّة هو عدم اللحاظين ، أي الماهيّة لا بشرط. وتقدّم أنّ هذا اللحاظ الذهني موجود بنحو مستقلّ عن اللحاظين