وأمّا إذا نظرنا إلى اللحاظ اللابشرطي بما هو ملحوظ ومحكي ، فقد قلنا : إنّ الملحوظ فيه ( هو الماهيّة بما هي هي ) ، فاذا قارنّا بين هذا الملحوظ اللابشرطي وبين الملحوظ باللّحاظين الآخرين أي ( الماهيّة الواجدة للوصف والماهيّة الفاقدة ) وجدنا أنّه يكون جامعا بين الملحوظين بشرط شيء وبشرط لا ، وليس قسما مقابلا ومباينا لهما. والدليل على ذلك هو أنّ هذا الملحوظ فيه وهو الماهيّة بما هي هي محفوظة وموجودة ضمن الماهيّة الواجدة وضمن الماهيّة الفاقدة ؛ لأنّهما يتركّبان من الماهيّة وزيادة ( وجود الوصف وعدم وجود الوصف ). ومن المعلوم أنّ ما يكون محفوظا في غيره هو الجامع لا القسم ؛ لأنّ ما يكون قسما لغيره يشترط فيه أن يكون مباينا ومغايرا له ؛ لأنّ الأقسام لا تتداخل فيما بينها. فالتداخل يدلّ على أنّه ليس قسما ، وانحفاظه فيهما يدلّ على أنّه جامع بينهما ؛ لأنّ الجامع ينحفظ ضمن أفراده (١).
ثمّ إذا تجاوزنا وعاء المعقولات الأوّليّة للذهن إلى وعاء المعقولات الثانويّة التي ينتزعها الذهن من لحاظاته وتعقّلاته الأوّليّة وجدنا أنّ الذهن ينتزع جامعا بين اللحاظات الثلاثة للماهيّة المتقدّمة ، وهو عنوان لحاظ الماهيّة من دون أن يقيّد هذا اللحاظ بلحاظ الوصف ولا بلحاظ عدمه ولا بعدم اللحاظين.
الأمر السادس : ذكرنا أنّ عالم الذهن ينقسم إلى المعقولات الأوّليّة وإلى المعقولات الثانويّة ، وقد تقدّم الكلام عن المعقولات الأوّليّة وقلنا : إنّها ثلاثة وهي : لحاظ الوصف ولحاظ عدم الوصف وعدم اللحاظين.
وأمّا المعقولات الثانويّة ، وهي اللحاظات التي ينتزعها العقل من اللحاظات
__________________
(١) وهذا يعني أنّ اللابشرط بالحمل الأوّلي أي كمفهوم ذهني فهو مباين للمفهومين الآخرين ؛ لأنّ المفاهيم الذهنيّة متباينة. وأمّا اللابشرط بالحمل الشائع أي كمصداق ومحكي ومرئي فإنّ النسبة بينه وبين المصداقين المحكيّين الآخرين هو العموم والخصوص مطلقا ؛ لأنّهما أخصّ منه وهو أعمّ منهما يشملهما فهو جامع لهما. ونظير ذلك الإنسان والعالم فإنّهما كمفهومين متباينين ؛ لأنّ ذات الإنسان وحقيقته تختلف عن ذات العالم وحقيقته ، إلا أنّهما من ناحية الصدق الخارجي بينهما عموم من جهة. فبالحمل الأوّل كمفهوم متباينين ؛ لأنّ ذات الإنسان وحقيقته تختلف عن ذات العالم وحقيقته ، إلا أنّهما من ناحية الصدق الخارجي بينهما عموم من جهة. فبالحمل الأوّل كمفهوم فهما متباينان ، لكنّها بالحمل الشائع كمصداق فهما يصدقان معا في بعض الموارد. ومقامنا من هذا القبيل.