وبهذا ظهر أنّ عناية البدليّة هي عدم القدرة على إيجاد كلّ أفراد الطبيعة ، بينما عناية الشموليّة هي لغويّة ترك بعض أفراد الطبيعة فقط ، وكلا هاتين العنايتين يحكم بهما العقل أو العرف.
وهما خارجان عن مدلول قرينة الحكمة ؛ لأنّها تثبت الإطلاق فقط بمعنى عدم مدخليّة القيد في الموضوع.
ولا يصلح هذا الجواب لحلّ المشكلة ؛ إذ توجد حالات يمكن فيها الإطلاق الشمولي والبدلي معا ، ومع هذا يعيّن الشمولي بقرينة الحكمة ، كما في كلمة ( عالم ) في قولنا : ( أكرم العالم ) ، فلا بدّ إذا من أساس لتعيين الشموليّة أو البدليّة غير مجرّد كون بديله مستحيلا.
إلا أنّ هذا الجواب لا يصلح حلاّ للمشكلة ؛ لأنّه وإن كان تامّا في بعض الحالات إلا أنّه ليس تامّا في بعضها الآخر ، فمثلا إذا قيل : ( أكرم العالم ) كان الإطلاق شموليّا ، وأمّا إذا قيل : ( أكرم عالما ) كان الإطلاق بدليّا ، فكلمة ( العالم ) يمكن فيها البدليّة والشموليّة معا وتعيين أحدهما يحتاج إلى سبب آخر غير ما ذكره السيّد الخوئي ؛ لأنّه ذكر أنّ محذور اللغويّة يعيّن الشموليّة بينما استحالة التكليف بغير المقدور يعيّن البدليّة.
ففي هذا المورد كلمة ( العالم ) يمكن أن تكون شموليّة ؛ لإمكان إكرام كلّ أفراد العالم ، ويمكن أن تكون بدليّة بإكرام بعض الأفراد ، ولكن مع ذلك تتعيّن الشموليّة دون البدليّة بقرينة الحكمة ، مع أنّه لا محذور في إرادة البدليّة أيضا.
فلو كان الملاك للشموليّة هو محذور اللغويّة في البدليّة لم تتمّ الشموليّة ؛ إذ لا محذور هنا بإكرام بعض الأفراد. ولو كان الملاك للبدليّة استحالة الشموليّة لم تتمّ البدليّة هنا ؛ لأنّ الشموليّة غير مستحيلة ؛ إذ يمكن للمكلّف إكرام كلّ أفراد العالم ، مع أنّ السيّد الخوئي يلتزم بالشموليّة هنا رغم أنّه لا محذور في البدليّة ، وهذا مخالف لما ذكره من الملاك (١).
__________________
(١) ويلزم ممّا ذكر أيضا : أن تكون الأحكام الشرعيّة كلّها بدليّة ؛ وذلك لأنّ التكليف بغير المقدور إن كان هو ملاك البدليّة فحيث إنّ الأحكام التكليفيّة كلّها مقيّدة بالقدرة ؛ لأنّه لا يمكن للمكلّف أن يأتي بكلّ الأفراد فتكون كلّها بدليّة ...