الثاني : ما ذكره المحقّق العراقي رحمهالله (١) من أنّ الأصل في قرينة الحكمة انتاج الإطلاق البدلي ، والشموليّة عناية إضافيّة بحاجة إلى قرينة ؛ وذلك لأنّ هذه القرينة تثبت أنّ موضوع الحكم ذات الطبيعة بدون قيد ، والطبيعة بدون قيد تنطبق على القليل والكثير وعلى الواحد والمتعدّد.
الجواب الثاني : ما ذكره المحقّق العراقي من أنّ قرينة الحكمة تنتج الإطلاق البدلي فقط ، وأمّا الإطلاق الشمولي فيحتاج إلى عناية زائدة.
وتوضيح ذلك : أنّ قرينة الحكمة تثبت أنّ موضوع الحكم
هو الطبيعة والماهيّة فقط مجرّدة عن القيود ، وذات الماهيّة كما تنطبق على كلّ الأفراد تنطبق على بعضها ، فهي توجد بفرد من أفرادها وتوجد بأكثر من ذلك. فالثابت دائما هو البعض ؛ لأنّه القدر المتيقّن ، بينما الجميع على نحو الشموليّة ، فهذا يحتاج إلى عناية زائدة إضافيّة غير قرينة الحكمة.
وبتعبير آخر : أنّ البدليّة بمعنى وحدة الحكم وعدم تعدّده ثابت بمجرّد جريان الإطلاق وقرينة الحكمة ؛ لأنّه يثبت أنّ موضوع الحكم هو ذات الطبيعة ، فالحكم واحد والموضوع واحد. وأمّا الشموليّة بمعنى تعدّد الحكم بتعدّد الأفراد فهذا أمر زائد يحتاج إلى قرينة وعناية تثبت أنّ الحكم موضوعه كلّ الأفراد لا ذات الماهيّة فقط ؛ لأنّ ذات الماهيّة ينطبق على القليل والكثير ، والقليل هو المتيقّن ؛ لأنّ الطبيعة توجد بفرد من أفرادها ، وأمّا الكثير فهو يحتاج إلى دليل آخر.
فلو قيل : ( أكرم العالم ) وجرت قرينة الحكمة لإثبات الإطلاق كفى في الامتثال إكرام الواحد ؛ لانطباق الطبيعة عليه. وهذا معنى كون الإطلاق من حيث الأساس
__________________
... ويلزم أيضا أن يكون مثل ( أكرم العالم ) بدليّا ؛ إذ يستحيل إكرام كلّ أفراد العالم ، كما أنّه يستحيل إيجاد كلّ إفراد الإكرام ، فالاستحالة موجودة فيهما معا ، فلما ذا كان هذا بدليّا وذاك شموليّا مع وحدة الملاك فيهما؟
وبهذا ظهر أنّه لا بدّ من وجود ملاك آخر وأساس ثابت يبتني عليه البدليّة والشموليّة غير ما ذكره السيّد الخوئي.
(١) كلماته في هذه المسألة مشوّشة للغاية ، ولعلّ أقرب ما ورد فيها إلى ما نسب إليه في المتن ما جاء في مقالات الأصول ١ : ٥٠١ ، ولكنّه لم يتبنّاه بل ردّه ببيان له ، وتمسّك بفكرة أخرى في هذه المسألة ، فراجع.