ولكن هذا التكثّر في الحكم والتكثّر في موضوعه ليس على مستوى الجعل ولحاظ المولى عند جعله للحكم بوجوب الإكرام على طبيعي العالم ، فإنّ المولى في مقام الجعل يلاحظ طبيعي العالم ولا يلحظ العلماء بما هم كثرة ، فبنظره الجعلي ليس لديه إلا موضوع واحد وحكم واحد ، ولكن التكثّر يكون في مرحلة المجعول.
توضيح الجواب : أنّ الشموليّة والتكثّر في الحكم وفي موضوعه راجعة إلى عالم المجعول والفعليّة ، لا إلى عالم الجعل والإنشاء واللحاظ المولوي عند جعل الحكم.
فكما تقدّم سابقا أنّ المولى عند ما يصبّ حكمه على الموضوع إنّما يصبّه على الموضوع المتصوّر في ذهنه بما هو حاك عن الخارج لا بقيد اللحاظ الذهني ، وهنا المولى عند ما صبّ وجوب الإكرام على العالم إنّما صبّه على الصورة الذهنيّة لطبيعة العالم وهي واحدة ، فكان الحكم واحدا أيضا بلحاظ وحدة الموضوع في عالم الجعل والإنشاء.
وبتعبير آخر : أنّ المولى أحضر في ذهنه صورة العالم وهي موضوع واحد ، وهو الطبيعة الواجدة لصفة العلم وصبّ على هذا الموضوع الواحد الكلّي حكما واحدا كلّيّا أيضا وهو وجوب الإكرام. ولذلك فلا تكثّر ولا تعدّد في عالم الجعل لا للموضوع ولا للحكم ، بل كلاهما واحد كلّي.
وأمّا في عالم المجعول أي فعليّة الحكم في الخارج ، فهذا يرتبط بتحقّق الموضوع خارجا والموضوع في الخارج لا يكون فعليّا ، إلا إذا تحقّقت كلّ قيوده وشروطه ، فإذا وجد في الخارج عالم وجب إكرامه ، وهذا ما تقدّم سابقا من أنّ الأحكام الشرعيّة الحقيقيّة تنحلّ إلى قضيّة شرطيّة موضوعها مقدّر الوجود.
وحينئذ يحصل التكثّر والشمول ؛ لأنّ طبيعة العالم لها في الخارج مصاديق عديدة والحكم منصبّ على الطبيعة ، فكلّما وجد مصداق للعالم كان الموضوع متحقّقا فينصبّ عليه الحكم ، وهكذا يحصل التكثّر بلحاظ الموضوع نظرا لكثرة مصاديقه وبتبع تكثّر الموضوع يتكثّر الحكم أيضا.
والنتيجة : أنّ الحكم واحد في عالم الجعل وكذا الموضوع ، بينما هما متكثّران في عالم المجعول.