لتفسير هذه الشموليّة المستفادة من السياق ، وهذا التفسير يمكن أن يكون بأحد وجهين :
الأوّل : أن يدّعى كون السياق قرينة على إخراج الكلمة عن كونها نكرة ، فيكون دور السياق إثبات ما يصلح للإطلاق الشمولي. وأمّا الشموليّة فتثبت بإجراء قرينة الحكمة في تلك الكلمة بدون حاجة إلى افتراض دلالة السياق نفسه على الشموليّة والعموم.
الدعوى الأولى : للسيّد الشهيد : وهي أنّ وقوع النكرة في سياق النهي أو النفي يخرجها من كونها منوّنة بتنوين التنكير ، ويفيد أنّها منوّنة بتنوين التمكين. فهناك أربع حالات للنكرة لا تكون فيها منوّنة بتنوين التنكير ، بل منوّنة بتنوين التمكين وهي :
الأولى : النكرة في سياق النهي كقولنا : ( لا تكرم فاسقا ) فهي بقوّة قولنا : ( لا تكرم الفاسق ).
الثانية : النكرة في سياق النفي كقولنا : ( ما أكرمت فاسقا ) فهو أيضا كقولنا : ( ما أكرمت الفاسق ).
الثالثة : النكرة في سياق الاستفهام كقولنا : ( هل أكرمت فاسقا ) فهي كقولنا : ( هل أكرمت الفاسق ).
الرابعة : النكرة المضافة لنكرة كقولنا : ( أكرم عالم قرية ) فهي كقولنا : ( أكرم عالم القرية ).
ففي هذه الموارد الأربعة تكون النكرة منوّنة بتنوين التمكين ، وهذا يعني أنّها صالحة للانطباق على كلّ فرد من أفرادها ، فيكون السياق هنا قد أكسب النكرة هذه الصلاحيّة لاستيعاب كلّ أفرادها بعد أن أخرجها عن تنوين التنكير المفيد للوحدة والمتنافي مع الاستيعاب والشمول لكلّ الأفراد. فالسياق يثبت أنّ الماهيّة ليست مقيّدة. وعليه ، فتصلح للإطلاق بإجراء قرينة الحكمة فيها.
وحينئذ يبقى علينا إثبات الشموليّة لكلّ الأفراد بعد أن أثبتنا أنّه يوجد في الكلام مفهوم اسمي صالح لأن يستوعب كلّ الأفراد ، وهذا يمكن إثباته بواسطة الإطلاق وقرينة الحكمة في النكرة لإثبات أنّها تدلّ على طبيعة ( الفاسق ) في المثال من دون قيد ، فيثبت شمولها وعمومها لكلّ الأفراد.