ولا نحتاج للقول بأنّ السياق نفسه من أدوات العموم ، فإنّ الشموليّة والاستيعاب لكلّ الأفراد لا تتوقّف عليه ، بل يثبتها الإطلاق وقرينة الحكمة. وليس دور السياق إلا إعطاءها الصلاحيّة للانطباق على كلّ الأفراد والتي كانت قد فقدتها بتنوين التنكير الدالّ على الوحدة.
الثاني : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) (١) رحمهالله من أنّ الشموليّة ليست مدلولا لفظيّا ، وإنّما هي بدلالة عقليّة ؛ لأنّ النهي يستدعي إعدام متعلّقه ، والنكرة لا تنعدم ما دام هناك فرد واحد.
الدعوى الثانية : لصاحب ( الكفاية ) حيث قال : إنّ الشموليّة والاستيعاب المستفادين من وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي لا تستفاد من دلالة السياق. وعليه ، فلا يكون هناك دالّ لفظي على الشموليّة والاستيعاب. وإنّما الدالّ على الاستيعاب والشمول في النكرة ـ بعد إجراء الإطلاق وقرينة الحكمة في النكرة لإثبات كونها دالّة على الطبيعة والماهيّة من دون قيد ـ يثبت بقرينة عقليّة وهي أنّ إعدام الطبيعة المفاد من النهي وانتفاءها المفاد من النفي لا يمكن تحقّقهما إلا بانعدام تمام الأفراد ؛ لأنّه لو بقي فرد واحد من أفراد الطبيعة لم تكن معدومة ومنتفية. فعلى أساس هذه القرينة العقليّة نستطيع تفسير الشموليّة في هذه النكرة ، ولا نحتاج إلى ادّعاء كون السياق من أدوات العموم ، أو أنّه أخرجها من تنوين التنكير إلى تنوين التمكين.
غير أنّ هذه الدلالة العقليّة إنّما تعيّن طريقة امتثال النهي وأنّ امتثاله لا يتحقّق إلا بترك جميع أفراد الطبيعة ، ولا تثبت الشموليّة بمعنى تعدّد الحكم والتحريم بعدد تلك الأفراد ، كما هو واضح.
ويرد عليه : أنّ هذه الدلالة العقليّة إنّما تثبت لنا كيفيّة امتثال النهي أو كيفيّة تحقّق النفي ، فإنّ العقل يحكم بأنّ النهي المتعلّق بالطبيعة المفيد للزجر عنها لا يتحقّق هذا الزجر والانزجار من المكلّف في عالم الخارج إلا بانعدام كلّ أفراد الطبيعة ؛ لأنّ ارتكاب فرد منها لا يكون زجرا وانزجارا عنها. وكذلك انتفاء الطبيعة لا يكون خارجا إلا بانتفاء كلّ أفرادها ؛ لأنّ وجود وإيجاد فرد من الأفراد يتنافى مع انتفائها لأنّها توجد بفرد واحد من الأفراد.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٥٤.