إليه الدليل والأصل ، ومعنى ذلك أنّه ليس له من حيث الأساس أحكام ، وإنّما يحكم تبعا للدليل أو الأصل ، فلا يمكن أن يتخلّف الحكم الواقعي عنهما.
يوجد مقابل القول بالتخطئة الذي هو مذهب الإماميّة قول آخر بالتصويب وهو على قسمين :
الأوّل : التصويب الذي يقول به الأشاعرة وملخّصه : أنّ الأحكام الإلهيّة ليست ثابتة في مرحلة سابقة عن قيام الأمارة أو الأصل ، وإنّما تثبت الأحكام الإلهيّة وفقا لما قام عليه الدليل والأصل ، فالأحكام الإلهيّة تدور نفيا أو إثباتا مدار الأمارة والأصل ، فإذا قاما على الوجوب فيثبت الوجوب واقعا ، وإن قاما على الإباحة ثبتت الإباحة واقعا ، وقبل قيامهما لا وجود للأحكام الواقعيّة. وهذا معناه أنّ الأحكام الواقعيّة تابعة لرأي المجتهد الذي يستنبطه من الأمارة أو الأصل ، فالله تعالى يحكم وفقا لرأي المجتهد.
ولازم ذلك كون الأمارة أو الأصل مصيبة للواقع دائما ؛ لأنّ الواقع ينشأ على طبقهما فمن المستحيل الخطأ فيهما ، وهذا معنى التصويب.
وهناك صورة مخفّفة للتصويب ، مؤدّاها : أنّ الله تعالى له أحكام واقعيّة ثابتة من حيث الأساس ، ولكنّها مقيّدة بعدم قيام الحجّة من أمارة أو أصل على خلافها ، فإن قامت الحجّة على خلافها تبدّلت واستقرّ ما قامت عليه الحجّة.
القسم الثاني : من التصويب : هو التصويب الذي يقول به المعتزلة وملخّصه :
أنّه يوجد لله تعالى أحكام واقعيّة ثابتة في اللوح المحفوظ وفي عالم الواقع والجعل ، إلا أنّ هذه الأحكام الواقعيّة ليست ثابتة بنحو مطلق ، بل هي مقيّدة بقيد وهذا القيد هو عدم قيام الأمارة أو الأصل على خلافها. فإذا لم يقم على خلافها أمارة أو أصل فهذه الأحكام الواقعيّة ثابتة ومستمرّة ، وأمّا إذا قام على خلافها أمارة أو أصل فهذا يعني ارتفاع قيد استمرارها وبقائها ، وهذا يعني تبدّلها وتغيّرها وفقا لما قامت عليه الحجّة من أمارة أو أصل ، فمثلا إذا كان الحكم الواقعي حرمة شرب التتن وقامت الأمارة أو الأصل على حلّيّته ، فهذا يعني تبدّل الحرمة إلى الإباحة ؛ وذلك لأنّ الحرمة كانت مقيّدة بقيد وهذا القيد هو عدم قيام الأمارة أو الأصل على خلافها. فعند قيامها على الخلاف يرتفع موضوع الحرمة ؛ لارتفاع قيدها ويحلّ مكانها حكم آخر