هو الحلّيّة ، وهذه الحلّيّة تصبح هي الثابتة والمستقرّة واقعا ما لم يتغيّر رأي المجتهد إلى رأي آخر أو يكتشف خطأ الأمارة أو الأصل. وهكذا تكون الأحكام الواقعيّة في حال تبدّل وتغيّر دائما تبعا للأمارة أو الأصل.
وهذا نحو من التصويب أيضا ؛ لأنّ معناه أنّ الحكم الواقعي يكون متلائما مع الأمارة والأصل دائما ، بل إنّه يتغيّر ويتبدّل وفقا لهما. ولكن هذا النحو أخفّ من النحو الأوّل ؛ لأنّه يفترض وجود أحكام واقعيّة في مرحلة متقدّمة بخلاف الأوّل فإنّه ينكر وجودها أصلا.
وكلا هذين النحوين من التصويب باطل :
أمّا الأوّل : فلشناعته ووضوح بطلانه ، حيث إنّ الأدلّة والحجج إنّما جاءت لتخبرنا عن حكم الله وتحدّد موقفنا تجاهه ، فكيف تفترض أنّه لا حكم لله من حيث الأساس؟!
الردّ على القسم الأوّل من التصويب وهو التصويب الأشعري : هو أنّ الأمارات والأصول إنّما جعلت لها الحجيّة في ظرف الشكّ في الحكم الواقعي الإلهي ، وهذا يفترض وجود حكم واقعي في صورة مسبقة. وكذلك الأدلّة المحرزة فإنّها جاءت لتخبرنا عن الحكم الإلهي الواقعي لا لتنشأ حكما واقعيّا على وفق مؤدّاها ؛ ولذلك كانت كاشفا وطريقا إلى الواقع ، ولكنّها قد تكون كاشفا قطعيّا كما في القرآن والسنّة المتواترة والإجماع والعقل ، وقد تكون كاشفة كشفا ظنيّا كالأمارات التي جعلت لها الحجيّة. والأصول العمليّة جعلت لتحديد الموقف العملي اتّجاه الحكم الواقعي المجهول والمشكوك.
فكيف يقال : إنّ الأدلّة المحرزة والأمارات والأصول تثبت الحكم الواقعي مع أنّها جعلت وجاءت لتخبر عن الحكم الواقعي؟! فهذا خلاف ما هو المفروض فيها وعلى خلاف حقيقتها. وهذا شنيع ؛ لأنّه يفترض أنّ الشارع لم يكن حكيما حيث إنّه لم يعط أحكاما للناس مع وجود المصلحة أو المفسدة فيها.
وأمّا الثاني : فلأنّه مخالف لظواهر الأدلّة ، ولما دلّ على اشتراك الجاهل والعالم في الأحكام الواقعيّة.
وأمّا الردّ على القسم الثاني وهو التصويب المعتزلي فأوّلا : إنّ ظواهر الأدلّة الدالّة