الشارع الحكيم حيث إنّ الأحكام الإلهيّة على رأي العدليّة من الإماميّة والمعتزلة تابعة لملاكات في نفس الفعل والمتعلّق خلافا للأشاعرة.
ولو تنزّلنا وفرضنا إمكانيّة هذا الجعل عقلا وتصوّرا ، فلا يمكن أن نقبل بإمكانه الوقوعي ؛ وذلك لأنّا لو فرضنا أنّ هناك مشرّعا قد أحسّ وأدرك بوجود مصلحة في أن يجعل وجوبا أو حرمة على فعل ومتعلّق من دون أن يكون هناك مصلحة في نفس الفعل والمتعلّق فلا يكون لمثل هذا الجعل فائدة وأثر ، وتوضيح ذلك :
إنّنا لو فرضنا أنّ مشرّعا كان ينتظر مكافأة ما على نفس ذلك الجعل والتشريع بقطع النظر عن وجود مصلحة في الفعل المتعلّق لهذا الوجوب ، بحيث لم يكن هذا المشرّع مهتمّا بأن يحقّق مثل هذا المتعلّق خارجا ، ويمكن أن يكون مثاله أيضا الأمر بالأمر بالصلاة حيث تعلّقت المصلحة في نفس الأمر والجعل والتشريع من دون أن يكون هناك أدنى التفات إلى الفعل ووقوعه. فنقول : إنّ مثل هذه الجعل يكون فاقدا لمضمون الحكم وفارغا عن محتواه ؛ وذلك لأنّ حقيقة الحكم كالوجوب مثلا هي البعث والتحريك نحو المتعلّق الذي تعلّق للمولى غرض وشوق ومحبوبيّة فيه ، ومثل هذا الحكم الظاهري لا يمكن أن يكون باعثا ومحرّكا للمكلّف نحو المتعلّق ؛ إذ لا مصلحة في هذا المتعلّق أصلا.
ومن ثمّ فإنّ العقل لا يحكم بوجوب الإطاعة والامتثال لمثل هذا الحكم الفارغ من المحتوى والمضمون ؛ إذ حكم العقل بذلك فرع كون الحكم مطلوبا للمولى ومحبوبا له نظرا لحقّ الطاعة ، والمفروض أنّ كلّ ذلك منتف عن هذا الحكم ، ولذا لا يكون له أثر في المنجّزيّة لانتفاء موضوعها.
والحاصل : أنّ جعل الحكم الظاهري بهذا النحو المفروض ، وهو كون ملاكه في نفس جعله يعني تفريغه عن حقيقة الحكم وفقدانه للأثر التنجيزي العقلي الحاكم يوجب الإطاعة والامتثال. ومثل هذا الحكم يستحيل صدوره من الشارع الحكيم ، مضافا إلى أنّه بمجرّد جعله يكون الملاك المذكور قد استوفى وتحقّق فلا معنى لجعله على ذمّة المكلّف ؛ لأنّه يكون من باب تحصيل الحاصل أو من باب التكليف اللغوي ؛ لأنّه لا مصلحة موجودة ولا ملاك. فلما ذا يجعله على ذمّة المكلّف؟!
فالجواب المذكور في افتراضه المصلحة في نفس الجعل غير تام ، ولكنّه في