مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وثغاء الشاة وبكاء الصغير. قالوا : لأن مالكا أمر الناس بالمجيء بالأهل والمال. قال : ادعوه لي. فدعوه. فقال : يا مالك قد أصبحت رئيس قومك ، وهذا يوم كائن لما بعده من الأيام ، فلم سقت مع الناس نساءهم وأموالهم. قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله يقاتل عنهم. قال دريد : وهل يرد بذلك المنهزمة إن كانت والله لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك وقومك ، فأرجع الأهل والمال الى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم. ثم الق عدوك على متون الحيل ، فإن كانت لك لحق بك وراءك (١) ، وإن كانت عليك كنت قد احرزت أهلك ومالك. فكره مالك أن يكون لدريد في ذلك أمر ، فلاطفه في القول ، وقال لهوازن : هذا شيخ قد كبر وكبر عقله. فأحسّ ذلك منه دريد. فقال شعرا :
يا ليتني فيها جذع |
|
أخب فيها وأضع (٢) |
وكان ذلك مما هيّئه الله ويسّره من أموالهم ليفيئه على رسوله صلوات الله عليه وآله ، فسار رسول الله صلوات الله عليه وآله إليهم في اثنى عشر ألف مقاتل ، وذلك أنه قدم مكة في عشرة آلاف وخرج معه منها ألفان ، فلما قرب من المشركين وهم بحنين تفرقوا له وكمنوا له في واد على طريقه إليهم سبقوه إليه ـ وفيه شعاب ومضايق ـ ، فلما صار المسلمون فيه وقد أعجبتهم ـ كما قال الله
__________________
(١) وفي نسخة الأصل : قومك.
(٢) وأضاف ابن هشام ٤ / ٦١ والقمي في تفسيره ١ / ٢٨٦ :
أقود وطفاء الزمع |
|
كأنها شاة صدع |
الجذع : الشاب الحدث ، ويريد به منا قوة الشباب ، الوطفاء : الطويلة الشعر. والشاة : الوعل.
صدع : متوسط بين العظيم والحقير.