وقد قال الله سبحانه : « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ » (١) ، فأحبهم إليه أسبقهم لذلك وأقومهم به وأشدهم قياما به واكثرهم عناء فيه ، فمن كان أحب الخلق الى الله تعالى وأفضلهم لديه واكرمهم منزلة عنده أليس هو أوجب من أطاعوه وقدموه ولم يتقدموا عليه ، فإذا كان كما زعموا يجب أن يختاروا لأنفسهم اماما ، فهل يجب أن يقع الاختيار إلا على من هذه صفته ، وهذه عند الله عز وجل منزلته. ومن قول من قال : ان لهم أن يختاروا. إنهم لا يختارون إلا الأفضل منهم ، وقد ذكرت من فضل علي صلوات الله عليه فيما تقدم من هذا الكتاب ، ونذكر إن شاء الله فيما بقى منه ما لا يجب معه لمن نظر فيه ووفّق لفهمه أن يقدم على علي صلوات الله عليه أحدا من الناس.
وإنما رجوت بما صنّفته من هذا الكتاب وألّفته ، وكان قصدي فيه الذي قصدته وما أدخلته من تضاعيف الأخبار فيه من الكلام ، وما بيّنته وشرحته أن يهدي الله به من نظر إليه أو سمع ما فيه فيتولّى من أمر الله عز وجل بولايته ، ويقدم من قدمه الله عز وجل ويؤخر من أخره وينظر في ذلك نظر ناصح لنفسه ، ولا يورطها الهلكة باتباع غيره ، وكراهة أن يفارق من تقدم من سلفه وهم كما قال الله عز وجل : « تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ » (٢). وقال : « كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ » (٣) ، وأقصد بما ذكرته الزراية والرد على من مات وانقضى أمره وفات ، إذ لا يغني ذلك ، ولو قصدناه لم يغن عنهم شيئا ، ولسنا نسمع من في القبور ولا نعارض من
__________________
(١) الصف : ٣.
(٢) البقرة : ١٣٣.
(٣) المدثر : ٣٧.