عائشة ، وهي تريد الحج ، وعثمان قد حصر. فقلت لها : قد ترين أن هذا الرجل قد حصر ، فلو أقمت فنظرت في شأنه وأصلحت أمره!
فقالت : قد غربت غرائري (١) ، وأدنيت ركائبي ، وفرضت الحج على نفسي ، فلست بالتي اقيم ، فجهدنا (٢) عليها ، فأبت ، فقمت من عندها ، وأنا أقول ـ وذكر بيتا من شعر تمثل به (٣) ـ.
فقال : فقالت : أيها الرجل المتمثل بالشعر ارجع ، فرجعت ، فقالت : لعلّك ترى أني إنما قلت هذا الذي قلت وأنا أشك في عثمان ، وددت والله ، أنه مخيط عليه في بعض غرائري هذه حتى أكون التي أقذفه في أليم (٤) ثم ارتحلت حتى نزلت ماء يقال له : الصلصل (٥).
وبعث الناس عبد الله بن العباس على الموسم وعثمان محصور ، فمضى حتى نزل ذلك الماء.
فقيل لها : هذا ابن عباس قد بعث به الناس على الموسم ، فأرسلت إليه. فقالت : بابن عباس إن الله عزّ وجلّ أعطاك لسانا وعلما ، فاناشدك الله أن تخذل الناس عن قتل هذا الطاغية عثمان غدا ، ثم انطلقت الى مكة.
فلما أن قضت منسكها (٦) وانقضى أمر الموسم بلغها أن عثمان قد
__________________
(١) الغرارة : بكسر المعجمة : الجوالق.
(٢) وفي نسخة الأصل : فألححنا.
(٣) وفي أنساب الأشراف قال مروان :
وحرق قيس عليّ البلا |
|
د حتى إذا اضطرمت أجذما |
(٤) أليم : البحر.
(٥) وفي كتاب الجمل ص ٧٧ : الصلعاء. والصلصل موضع بنواحي المدينة على سبعة أميال منها.
(٦) نسك ومناسك جمع منسك بفتح السين وكسرها ومعناه التعبد. وسميت جميع أعمال الحج بالمناسك. ( النهاية ٥ / ٤٨ ).