أيامي قوما من أصحابي يصومون النهار ويقومون الليل ويقرءون القرآن يعرفون بخلافهم إياي ومحاربتهم لي ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فيهم ذو الثدية ، يختم الله بقتلهم لي السعادة ، فلما انصرفت من ابن هند بعد أمر الحكمين ، أقبل أصحابي بعضهم على بعض باللائمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين فلما لم (١) يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا : كان ينبغي لأميرنا أن لا يتابع ما أخطأنا من رأينا وأن يمضي بحقيقة رأيه على قتل من خالفه منا ، فقد ظلم بمتابعته إيّانا وطاعته في الخطاء لنا ، فقد حلّ لنا دمه. فاجمعوا على ذلك من حالهم ، وخرجوا ناكسين (٢) رءوسهم ينادون بأعلى أصواتهم أن لا حكم إلا لله.
ثم تفرقوا فرقا ، فرقة بالنخيلة ، وفرقة بحروراء ، وفرقة راكبة رءوسها تخبط الأرض حتى عبرت دجلة ، فلم تمر بمسلم إلا امتحنته ، فمن تابعها استحيت ، ومن خالفها قتلت.
فخرجت إلى الاولتين ، واحدة بعد الاخرى ، أدعوهم الى طاعة الله ومتابعة الحق والرجوع إليه ، فأبتا إلا السيف لا يقنعهم غيره.
فلما أعيت الحيلة (٣) فيهما حاكمتهما الى الله ، فقتل الله هذه وهذه [ ولو لا ما فعلوا ] وكانوا لي ركنا قويا وسدّا منيعا (٤) ، فأبى الله إلا ما صاروا إليه ، وكانوا [ قد ] سارعوا في قتل من خالفهم من المسلمين.
ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة ، ووجهت إليها رسلا تترى (٥) ، وكانوا من جلّة أصحابي ، وأهل الثقة منهم ، فأبت إلا اتباع اختيها ، والاحتذاء
__________________
(١) وفي نسخة ـ ب ـ : فلم.
(٢) وفي نسخة ـ ب ـ : راكبين.
(٣) فشلت المحاولات السلمية.
(٤) وفي الاصل : وسندا منيعا.
(٥) أبى واحدا بعد واحد.