[ ٧ ـ الزهد ]
ثم ذكروا بعد ذلك فضل الزهد في الدنيا لقول الله عزّ وجلّ : ( أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ ) (١) وقوله تعالى : ( إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ) (٢) وقوله تعالى : ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) (٣) فوصف عزّ وجلّ الدنيا ومتاعها وما فيها بالفناء والانقطاع ، والآخرة ونعيمها وما فيها بالبقاء والدوام ، ولم يحظر مع ذلك طلب الدنيا من وجهها وبحقها لأن معايش العباد منها بل قد اباح ذلك ، فقال سبحانه : ( وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ) (٤) وقال تعالى : ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً ) (٥) وقال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) (٦) وكرر ذلك في كثير من كتابه ، ولكنه إنما ذكر ما ذكر من صفة الدنيا ، وانقطاعها ، وذهاب متاعها لئلاّ يغتبط بها أهلها ويتشاغلون عن الآخرة التي هي دار البقاء والحيوان بها ، ولينظروا إليها ، والى ما بأيديهم منها بعين الزهادة فيه وفيها ، فلا يغتبطوا بشيء من ذلك فيشحّوا به عما أوجبه الله عزّ وجلّ عليهم فيه ، أو أن يقدموا منه الى
__________________
(١) الحديد : ٢٠.
(٢) يونس : ٢٤.
(٣) لقمان : ٣٣.
(٤) الأعراف : ١٠.
(٥) المائدة : ٨٨.
(٦) الجاثية : ١٣.