من أنبيائه وأوليائه كثيرا من الدنيا ، ولو كان ذلك مكروها ما أعطاهم إياه ، وسأله سليمان عليهالسلام ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فما أعاب ذلك عليه من سؤله ، بل ذكر عزّ وجلّ أنه أعطاه ذلك ، ونحن نشاهد ونرى في أيدي أولياء الله كثيرا ممّا خولهم الله عزّ وجلّ إياه ، وأعطاهم من الدنيا. ونعلم أن ذلك ممّا يعظم عندهم من فضل الله عزّ وجلّ لديهم ويكثر شكرهم إياه عليه ، وإن كانوا لا ينظرون إليه بعين الغبطة به ولا الرغبة فيه. ولا يلهيهم عظيم ما عندهم منه عما افترضه الله عزّ وجلّ عليهم واستخدمهم فيه من أمر دنياهم واخراهم بل ذلك في أعينهم أجل وفي صدورهم أعظم.
فهذه سبيل الزهد في الدنيا ومتاعها المحمود من فعله فيما اوتي منها ليس أن يكون ذلك رفضها وما فيها بالكلية وكراهته وتحريمه ، ومن حرم أو كره ما أحله الله عزّ وجلّ فقد خالف أمره وتعداه.
وقد ذكروا أيضا بالزهد من الصحابة رجالا ، فكان ممن ذكروه : علي عليهالسلام ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن مظعون (١) ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد. وعلي عليهالسلام أفضلهم في ذلك مع ما بان به من الفضائل المتقدم ذكرها دونهم ، وقد ذكره رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك فقال : علي لا يرزأ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منه ، يعني أنه لا يأخذ منها ما ليس له ولا تفتنه فتنقصه.
فهذه الفضائل التي عددتها ، وشهد الكتاب بها ، وأخبر الرسول صلىاللهعليهوآله عنها قد تكامل في علي عليهالسلام منها ما افترق في الناس ، وكان أفضلهم فيها ، وقد ذكرنا فضل من زاد الفضل فيه على من نقص منه ، والكامل الفضائل من اجتمعت فيه ولا يقاس به من لم تجتمع فيه ، وقد
__________________
(١) أبو السائب القرشي الجمحي ، صحابي من الشجعان ، كان من حكماء العرب في الجاهلية هاجر الى الحبشة قاتل في بدر وتوفي بالمدينة ٢ ه.