فلما نزلا الوادي نهشت (١) عمرا حية في جوف الليل ، فأصبح منتفخا ، فقال : يا زاهر تنحّ عني فان حبيبي رسول الله صلوات الله عليه وآله قد أخبرني انه سيشترك في دمي الجن والانس ، ولا بدّ لي من أن اقتل. فبيناهما على ذلك إذ رأيا نواصي الخيل في طلبه. فقال : يا زاهر تغيب ، فاذا قتلت فانهم سوف يأخذون رأسي ، فاذا انصرفوا فاخرج الى جسدي فواره (٢).
قال زاهر : لا بل أنثر نبلي ثم أرميهم به ، فاذا أفنيت نبلي قتلت معك. قال : لا ، بل تفعل ما سألتك ، ينفعك الله به. فاختفى زاهر ، وأتى القوم ، فقتلوا عمرا واحتزوا رأسه ، فحملوه فكان أول رأس حمل في الإسلام ، ونصب للناس (٣).
فلما انصرفوا خرج زاهر فوارى جثته.
ثم بقي زاهر حتى قتل مع الحسين صلوات الله عليه بالطف (٤).
وعبد الرحمن بن بديل (٥) الخزاعي الذي بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة ، قتل يوم صفين في ثلاثة آلاف رجل انفردوا للموت ، فقتلوا من أهل الشام نحوا من عشرين الفا ، ولم يزالوا يقتل منهم الواحد بعد الواحد حتى قتلوا عن آخرهم ، وكان عبد الله بن بديل يرتجز ، وهو
__________________
(١) نهشته حية : عضته.
(٢) فواره : أي ادفنه.
(٣) وليس هذا أول مبتدعاته ، فمن اوّلياته التي لم يسبق إليها أحد قبله ثم صارت بعده سننا متبعة ، فإنه أول من جعل ابنه ولي عهد. وأول من اتخذ المقاصير في الجوامع ، وأول من قتل مسلما صبرا وأول الملوك ، وأول من أقام على رأسه حرسا ، وأول من أسقط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه كالنجاشي ، وأول من ترك الجهر بالتسمية ، وأول من خطب الناس قاعدا.
(٤) أحد أسماء كربلاء.
(٥) وفي نسخة الاصل : بذيل ، وفي نسخة ـ ج ـ : بن زيل.