ثم قال : أيها الناس إن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه ألبسه الله الذلة ، وشمله البلاء ، وضرب بالصغار ، هذا عامل معاوية قد أغار على الأنبار ، فقتل بها عاملي ابن حسان ، ورجالا كثيرا ، وانتهكت بها حرم من النساء ، فقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والاخرى المعاهدة ، فينتزع خلخالها ورعاثها (١) لا تمتنع منه إلا بالاسترحام والاسترجاع ، ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم ، فو الله لو أن امرأ مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي جديرا ، يا عجبا ، عجبت لبث القلوب ، وتشعب الآراء من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، وفشلكم عن حقكم حتى صرتم غرضا (٢) ترمون ولا ترمون ، وتغزون ولا تغزون ، ويغار عليكم ولا تغيرون ، ويعصى الله وترضون. اذا قلت لكم : اغزوهم في البرد ، قلتم : هذه أيام صرّ وقرّ. واذا قلت لكم : اغزوهم في الحر ، قلتم : هذه حمارة القيظ (٣) ، امهلنا حتى ينسلخ الحر. فأنتم من الحر والبرد تفرون ولأنتم والله من السيف أفر ، يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا طغام الأحلام ، ويا عقول ربات الحجال ، قد ملأتم قلبي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى قالت قريش : إن علي بن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب ، ومن منهم أعلم بالحرب مني ، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وأنا الآن قد عاقبت الستين ، لكن لا رأي لمن لا يطاع ، كم أمرتكم أن تغزوهم قبل أن يغزوكم ، وقلت لكم : إنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلاّ ذلوا ، فما قبلتم أمري ، ولا استجبتم لي ، أبدلني الله بكم
__________________
(١) الرعاث : جمع رعثة أي الرعثة القرط.
(٢) غرضا : هدفا.
(٣) حمارة القيظ : شدة الحر.